وخلصهم، فيزدادوا لذلك غبطة إلى غبطة وسروراً إلى سرور، ويشمتوا بأعداء الله وأعدائهم، فتزداد مساءتهم وحسرتهم وما يغيظهم من سعادة أولياء الله وشماتتهم بهم. فإن قلت : ما معنى إحضارهم جثياً ؟ قلت : أما إذا فسر الإنسان بالخصوص، فالمعنى أنهم يقبلون من المحشر إلى شاطىء جهنم عتلا على حالهم التي كانوا عليها في الموقف، جثاة على ركبهم، غير مشاة على أقدامهم، وذلك أن أهل الموقف وصفوا بالجثو. قال الله تعالى :﴿ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ﴾ ( الجاثية : ٢٨ ) على العادة المعهودة في مواقف المقاولات والمناقلات، من تجاثي أهلها على الراكب، لما في ذلك من الاستيفاز والقلق وإطلاق الحبا وخلاف الطمأنينة. أو لما يدهمهم من شدّة الأمر التي لا يطيقون معها القيام على أرجلهم، فيحبون على ركبهم حبواً. وإن فسر بالعموم، فالمعنى أنهم يتجاثون عند موافاة شاطيء جهنم، على أن جثيا حال مقدرة كما كانوا في الموقف متجاثين ؛ لأنه من توابع التواقف للحساب قبل التوصل إلى الثواب والعقاب والمراد بالشيعة وهي ( فعلة ) كفرقة وفتية الطائفة التي شاعت، أي تبعت غاويا من الغواة. قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا ﴾ ( الأنعام : ١٥٩ ) يريد : تمتاز من كل طائفة من طوائف الغيّ والفساد أعصاهم فأعصاهم، وأعتاهم فأعتاهم. فإذا اجتمعوا طرحناهم في النار على الترتيب. تقدم أولاهم بالعذاب فأولاهم. أو أراد بالذين هم أولى به صلياً : المنتزعين كما هم، كأنه قال : ثم لنحن أعلم بتصلية هؤلاء، وهم أولى بالصلى من بين سائر الصالين، ودركاتهم أسفل، وعذابهم أشدّ. ويجوز أن يريد بأشدّهم عتياً : رؤساء الشيع وأئمتهم، لتضاعف جرمهم بكونهم ضلالاً ومضلين. قال الله تعالى :﴿ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ ﴾ ( النحل : ٨٨ )، ﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ ( العنكبوت : ١٣ ) واختلف في إعراب ﴿ أَيُّهُمْ أَشَدُّ ﴾ فعن الخليل أنه مرتفع على الحكاية. تقديره : لننزعنّ الذين يقال فيهم أيهم أشد، وسيبويه على أنه مبني على الضم لسقوط صدر الجملة التي هي صلته، حتى لو جيء به لأعرب. وقيل : أيهم هو أشد. ويجوز أن يكون النزع واقعاً على ﴿ مِن كُلّ شِيعَةٍ ﴾، كقوله سبحانه :﴿ وَوَهَبْنَا لَهْمْ مّن رَّحْمَتِنَا ﴾ أي لننزعن بعض كل شيعة، فكأنّ قائلاً قال : من هم ؟ فقيل : أيهم أشد عتياً. وأيهم أشد : بالنصب عن طلحة ابن مصرف وعن معاذ بن مسلم الهراء أستاذ الفراء. فإن قلت : بم يتعلق على والباء، فإن

__________


الصفحة التالية
Icon