مجيئهما نكرتين. وهذه الآية بساط وتمهيد، لما يريد أن يسوق بعدها من الأقاصيص وما في ذلك من لطائف حكمته ودقائق علمه.
! ٧ < ﴿ إِذْ قَالَ مُوسَى لاًّهْلِهِ إِنِّى آنَسْتُ نَاراً سَأاتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ ءَاتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾ > ٧ !
< < النمل :( ٧ ) إذ قال موسى..... > > ﴿ إِذْ ﴾ منصوب بمضمر، وهو : اذكر، كأنه قال على أثر ذلك : خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى. ويجوز أن ينتصب بعليم. وروي أنه لم يكن مع موسى عليه السلام غير امرأته، وقد كنى الله عنها بالأهل، فتبع ذلك ورود الخطاب على لفظ الجمع، وهو قوله :﴿ امْكُثُواْ ﴾. الشهاب : الشعلة. والقبس : النار المقبوسة، وأضاف الشهاب إلى القبس لأنه يكون قبساً وغير قبس. ومن قرأ بالتنوين : جعل القبس بدلاً، أو صفة لما فيه من معنى القبس. والخبر : ما يخبر به عن حال الطريق، لأنه كان قد ضله. فإن قلت : سآتيكم منها بخبر، ولعلي آتيكم منها بخبر : كالمتدافعين : لأنّ أحدهما ترجّ والآخر تيقن. قلت : قد يقول الراجي إذا قوي رجاؤه : سأفعل كذا، وسيكون كذا مع تجويزه الخيبة. فإن قلت : كيف جاء بسين التسويف ؟ قلت : عدة لأهله أنه يأتيهم به وإن أبطأ، أو كانت المسافة بعيدة. فإن قلت : فلم جاء بأو دون الواو ؟ قلت بني الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجتيه جميعاً لم يعدم واحدة منهما : إمّا هداية الطريق ؛ وإما اقتباس النار، ثقة بعادة الله أنه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده، وما أدراه حين قال ذلك أنه ظافر على النار بحاجتيه الكليتين جميعاً، وهما العزَّان : عز الدنيا، وعز الآخرة.
! ٧ < ﴿ فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِىَ أَن بُورِكَ مَن فِى النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ > ٧ !
< < النمل :( ٨ ) فلما جاءها نودي..... > > ﴿ أَن ﴾ هي المفسرة : لأنّ النداء فيه معنى القول. والمعنى : قيل له بورك فإن قلت : هل يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة وتقديره : نودي بأنه بورك. والضمير ضمير الشأن ؟ قلت : لا، لأنه لا بدّ من ( قد ). فإن قلت : فعلى إضمارها ؟ قلت : لا يصح ؛ لأنها علامة لا تحذف. ومعنى ﴿ بُورِكَ مَن فِى النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ بورك من في مكان النار، ومن حول مكانها. ومكانها : البقعة التي حصلت فيها وهي البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى :﴿ نُودِىَ مِن شَاطِىء الْوَادِى الايْمَنِ فِى الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ ﴾ ( القصص : ٣٠ ) وتدل عليه قراءة أبيّ. ( تباركت الأرض ومن حولها ). وعنه :( بوركت النار ) ؛ والذي بوركت له البقعة، وبورك من فيها وحواليها حدوث أمر ديني فيها : وهو تكليم الله موسى واستنباؤه له وإظهار المعجزات عليه ؛ وربّ خير يتجدّد في بعض البقاع، فينشر الله بركة ذلك الخير في أقاصيها، ويبث آثار يمنه في أباعدها، فكيف بمثل ذلك الأمر العظيم الذي جرى في تلك البقعة. وقيل : المراد بالمبارك فيهم : موسى والملائكة الحاضرون. والظاهر أنه عامّ

__________


الصفحة التالية
Icon