وذلك من رجاحة عقلها، في المحتمل ﴿ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ ﴾ من كلام سليمان وملئه : فإن قلت : علام عطف هذا الكلام، وبم اتصل ؟ قلت : لما كان المقام الذي سئلت فيه عن عرشها وأجابت بما أجابت به مقاماً أجرى فيه سليمان وملؤه ما يناسب قولهم :﴿ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ ﴾ نحو أن يقولوا عند قولها كأنه هو : قد أصابت في جوابها وطبقت المفصل، وهي عاقلة لبيبة، وقد رزقت الإسلام، وعلمت قدرة الله وصحة النبوّة بالآيات التي تقدّمت عند وفدة المنذر، وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها عطفوا على ذلك قولهم : وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته، وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها، ولم نزل على دين الإسلام شكراً لله على فضلهم عليها وسبقهم إلى العلم بالله والإسلام قبلها ﴿ وَصَدَّهَا ﴾ عن التقدم إلى الإسلام عبادة الشمس ونشؤها بين ظهراني الكفرة ؛ ويجوز أن يكون من كلام بلقيس موصولاً بقولها :﴿ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾ والمعنى : وأوتينا العلم بالله وبقدرته وبصحة نبوّة سليمان عليه السلام قبل هذه المعجزة أو قبل هذه الحالة، تعني : ما تبينت من الآيات عند وفدة المنذر ودخلنا في الإسلام، ثم قال الله تعالى : وصدها قبل ذلك عما دخلت فيه ضلالها عن سواء السبيل. وقيل : وصدها الله أو سليمان عما كانت تعبد بتقدير حذف الجار وإيصال الفعل. وقرى :( أنها ) بالفتح على أنه بدل من فاعل صد. أو بمعنى لأنها.
! ٧ < ﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِى الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ > ٧ !
< < النمل :( ٤٤ ) قيل لها ادخلي..... > > الصرح : القصر. وقيل : صحن الدار. وقرأ ابن كثير ( سأقيها ) بالهمزة. ووجهه أنه سمع سؤقا، فأجري عليه الواحد. والممرد : المملس، وروي أن سليمان عليه السلام أمر قبل قدومها فبني له على طريقها قصر من زجاج أبيض، وأجرى من تحته الماء، وألقي فيه من دواب البحر السمك وغيره، ووضع سريره في صدره، فجلس عليه وعكف عليه الطير والجن والإنس، وإنما فعل ذلك ليزيدها استعظاماً لأمره، وتحققاً لنبوته، وثباتاً على الدين. وزعموا أنّ الجن كرهوا أن يتزوجها فتفضي إليه بأسرارهم، لأنها كانت بنت جنية. وقيل : خافوا أن يولد له منها ولد تجتمع له فطنة الجن والإنس، فيخرجون من ملك سليمان إلى ملك هو أشدّ وأفظع، فقالوا له : إن في عقلها شيئاً، وهي شعراء الساقين، ورجلها كحافر الحمار فاختبر عقلها بتنكير العرش، واتخذ الصرح ليتعرف ساقها

__________


الصفحة التالية
Icon