المصدر والزمان والمكان، فإن قلت : كيف يكونون صادقين وقد جحدوا ما فعلوا، فأتوا بالخبر على خلاف المخبر عنه ؟ قلت كأنهم اعتقدوا أنهم إذا بيتوا صالحاً وبيتوا أهله فجمعوا بين البياتين ثم قالوا : ما شهدنا مهلك أهله ؛ فذكروا أحدهما : كانوا صادقين، لأنهم فعلوا البياتين جميعاً لا أحدهما وفي هذا دليل قاطع على أن الكذب قبيح عند الكفرة الذين لا يعرفون الشرع ونواهيه ولا يخطر ببالهم. ألا ترى أنهم قصدوا قتل نبي الله ولم يرضوا لأنفسهم بأن يكونوا كاذبين حتى سووا للصدق في خبرهم حيلة يتفصون بها عن الكذب. ﴿ مَكْرِهِمْ ﴾ : ما أخفوه من تدبير الفتك بصالح عليه السلام وأهله. ومكر الله : إهلاكهم من حيث لا يشعرون. شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة. روي أنه كان لصالح مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه، فقالوا : زعم صالح عليه السلام أنه يفرغ منا إلى ثلاث، فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث. فخرجوا إلى الشعب وقالوا : إذا جاء يصلي قتلناه ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم، فبعث الله صخرة من الهِضَبّ حيالهم، فبادروا، فطبقت الصخرة عليهم فم الشعب. فلم يدر قومهم أين هم ولم يدروا ما فعل بقومهم، وعذب الله كلاً منهم في مكانه، ونجى صالحاً