الكتاب من عند من كتبه، ولا يدع مع ذلك أن يقرأ ويتفهم مضامينه ويحيط بمعانيه ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
بها للتبكيت لا غير. وذلك أنهم لم يعملوا إلا التكذيب، فلا يقدرون أن يكذبوا ويقولوا قد صدّقنا بها وليس إلا التصديق بها أو التكذيب. ومثاله أن تقول لراعيك وقد عرفته رويعي سوء أتأكل نعمي، أم ماذا تعمل بها ؟ فتجعل ما تبتدىء به وتجعله أصل كلامك وأساسه هو الذي صحّ عندك من أكله وفساده، وترمي بقولك : أم ماذا تعمل بها، مع علمك أنه لا يعمل بها إلا الأكل ؛ لتبهته وتعلمه علمك بأنه لا يجيء منه إلا أكلها، وأنه لا يقدر أن يدعي الحفظ والإصلاح ؛ لما شهر من خلاف ذلك. أو أراد : أما كان لكم عمل في الدنيا إلا الكفر والتكذيب بآيات الله، أم ماذا كنتم تعملون من غير ذلك ؟ يعني أنه لم يكن لهم عمل غيره، كأنهم لم يخلقوا إلا للكفر والمعصية، وإنما خلقوا للإيمان والطاعة : يخاطبون بهذا قبل كبهم في النار ثم يكبون فيها، وذلك قوله :﴿ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم ﴾ يريد أن العذاب الموعود يغشاهم بسبب ظلمهم، وهو التكذيب بآيات الله، فيشغلهم عن النطق والاعتذار، كقوله تعالى :﴿ هَاذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ ﴾ ( المرسلات : ٣٥ ).
! ٧ < ﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا الَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِى ذَلِكَ لاّيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ > ٧ !
< < النمل :( ٨٦ ) ألم يروا أنا..... > > جعل الإبصار للنهار وهو لأهله. فإن قلت : ما للتقابل لم يراع في قوله :﴿ لِيَسْكُنُواْ ﴾ و ﴿ مُبْصِراً ﴾ حيث كان أحدهما علة والآخر حالاً ؟ قلت : هو مراعي من حيث المعنى، وهكذا النظم المطبوع غير المتكلف ؛ لأن معنى مبصراً : ليبصروا فيه طرق التقلب في المكاسب.
! ٧ < ﴿ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الاٌّ رْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴾ > ٧ !
< < النمل :( ٨٧ ) ويوم ينفخ في..... > > فإن قلت : لم قيل :﴿ فَفَزِعَ ﴾ دون فيفزع ؟ قلت : لنكتة وهي الإشعار بتحقق الفزع وثبوته وأنه كائن لا محالة، واقع على أهل السموات والأرض ؛ لأنّ الفعل الماضي يدل على وجود الفعل وكونه مقطوعاً به. والمراد فزعهم عند النفخة الأولى حين يصعقون ﴿ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ﴾ إلا من ثبت الله قلبه من الملائكة، قالوا : هم جبريل، وميكائيل،

__________


الصفحة التالية
Icon