﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ فيما يجب عندكم وينقاس على أصولكم ويقتضيه معقولكم ؛ لأنّ من أعاد منكم صنعة شيء كانت أسهل عليه وأهون من إنشائها، وتعتذرون للصانع إذا خطيء في بعض ما ينشئه بقولكم : أوّل الغزو أخرق، وتسمون الماهر في صناعته معاوداً، تعنون أنه عاودها كرّة بعد أخرى ؛ حتى مرن عليها وهانت عليه. فإن قلت : لم ذكر الضمير في قوله :﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ والمراد به الإعادة ؟ قلت : معناه : وأن يعيده أهون عليه. فإن قلت : لم أخرت الصلة في قوله :﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ وقدّمت في قوله :﴿ هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ ﴾ ( مريم : ٢١ ) ؟ قلت : هناك قصد الاختصاص وهو محزه، فقيل : هو عليّ هين، وإن كان متعصباً عندكم أن يولد بين هم وعاقر ؛ وأما ههنا فلا معنى للاختصاص، كيف والأمر مبني على ما يعقلون من أنّ الإعادة أسهل من الابتداء ؛ فلو قدمت الصلة لتغير المعنى. فإن قلت : ما بال الإعادة استعظمت في قوله :﴿ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ ﴾ حتى كأنها فضلت على قيام السماوات والأرض بأمره، ثم هوّنت بعد ذلك ؟ قلت : الإعادة في نفسها عظيمة، ولكنها هوّنت بالقياس إلى الإنشاء. وقيل الضمير في عليه للخلق. ومعناه : أنّ البعث أهون على الخلق من الإنشاء، لأن تكوينه في حدّ الاستحكام، والتمام أهون عليه وأقل تعباً وكبداً، من أن يتنقل في أحوال ويندرج فيها إلى أن يبلغ ذلك الحدّ. وقيل : الأهون بمعنى الهين. ووجه آخر : وهو أن الإنشاء من قبيل التفضل الذي يتخير فيه الفاعل بين أن يفعله وأن لا يفعله، والإعادة من قبيل الواجب