أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } ( طه : ١١٠ ) وليس بذاك. فإن قلت كيف طابق الجزاء الشرط ؟ قلت : معناه وإن تجهر بذكر الله من دعاء أو غيره فأعلم أنه غني عن جهرك، فإماأن يكون نهياً عن الجهر كقوله تعالى :﴿ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ ﴾ ( الأعراف : ٢٠٥ ) وإما تعليماً للعباد أنّ الجهر ليس لإسماع الله وإنما هو لغرض آخر ﴿ الْحُسْنَى ﴾ تأنيث الأحسن، وصفت بها الأسماء لأنّ حكمها حكم المؤنث كقولك : الجماعة الحسنى، ومثلها ﴿ مَأَرِبُ أُخْرَى ﴾ ( طه : ١٨ )، و ﴿ مِنْ ءايَاتِنَا الْكُبْرَى ﴾ ( طه : ٢٣ ). والذي فضلت به أسماؤه في الحسن سائر الأسماء : دلالتها على معاني التقديس والتمجيد والتعظيم والربوببية، والأفعال التي هي النهاية في الحسن.
! ٧ < ﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لاًّهْلِهِ امْكُثُواْ إِنِّىءَانَسْتُ نَاراً لَّعَلِّى آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ﴾ > ٧ !
< < طه :( ٩ ) وهل أتاك حديث..... > > قفاه بقصة موسى عليه السلام ليتأسى به في تحمل أعباء النبوّة وتكاليف الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد، حتى ينال عند الله الفوز والمقام المحمود. يجوز أن ينتصب ﴿ إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لاًّهْلِهِ امْكُثُواْ إِنِّىءَانَسْتُ نَاراً لَّعَلِّى آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ﴾ ظرفاً للحديث، لأنه حدث أو لمضمر، أي : حين ﴿ رَأَى نَاراً ﴾ كان كيت وكيت. أو مفعولاً لا ذكر استأذن موسى شعيباً عليهما السلام في الخروج إلى أمه وخرج بأهله، فولد له في الطريق ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة، وقد ضلّ الطريق وتفرّقت ماشيته ولاماء عنده، وقدح فصلد زنده فرأى النار عند ذلك. قيل : كانت ليلة جمعة ﴿ امْكُثُواْ ﴾ أقيموا في مكانكم. الإيناس : الإبصار البين الذي لا شبهة فيه، ومنه إنسان العين لأنه يتبين به الشيء، والإنس : لظهورهم، كما قيل الجنّ لاستتارهم وقيل هو إبصار ما يؤنس به. لما وجد منه الإيناس فكان مقطوعاً متيقناً، حققه لهم بكلمة ( إنّ ) ليوطن أنفسهم، ولما كان الإتيان بالقبس ووجود الهدى مترقبين متوقعين، بني الأمر فيهما على الرجاء والطمع وقال ﴿ لَّعَلِى ﴾ ولم يقطع فيقول : إني ﴿ ءاتِيكُمْ ﴾ لئلا يعد ما ليس بمستيقن الوفاء به. القبس : النار المقتبسة في رأس عود أو فتيلة أو غيرهما. ومنه قيل : المقبسة، لما يقتبس فيه من سعفة أو نحوها ﴿ هُدًى ﴾ أي قوماً يهدونني الطريق أو ينفعونني بهداهم في أبواب الدين، عن مجاهد وقتادة ؛ وذلك لأنّ أفكار الأبرار مغمورة بالهمة الدينية في جميع أحوالهم لا يشغلهم عنها شاغل. والمعنى : ذوي هدى. أو إذا وجد الهداة فقدوجد الهدى. ومعنى الاستعلاء في ﴿ عَلَى النَّارِ ﴾ أنّ أهل النار يستعلون المكان القريب منها، كما قال سيبويه

__________


الصفحة التالية
Icon