ومعنى تسبيح الجبال : أنّ الله سبحانه وتعالى يخلق فيها تسبيحاً كما خلق الكلام في الشجرة، فيسمع منها ما يسمع من المسبح : معجزة لداود. وقيل : كان ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين، وكانت الجبال تسعده على نوحه بأصدائها والطير بأصواتها. وقرىء :( والطير )، رفعاً ونصباً، وعطفاً على لفظ الجبال ومحلها. وجوّزوا أن ينتصب مفعولاً معه، وأن يعطف على فضلاً، بمعنى وسخرنا له الطير. فإن قلت : أي فرق بين هذا النظم وبين أن يقال :﴿ وَءاتَيْنَا * دَاوُودُ * مِنَّا فَضْلاً ﴾ تأويب الجبال معه والطير ؟ قلت : كم بينهما. ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التي لا تخفى : من الدلالة على عزّة الربوبية وكبرياء الإلاهية، حيث جعلت الجبال منزّلة منزلة العقلاء الذي إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا، وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا : إشعاراً بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت، إلا وهو منقاد لمشيئته، غير ممتنع على إرادته ﴿ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ﴾ وجعلناه له ليناً كالطين والعجين والشمع، يصرفه بيده كيف يشاء من غير نار ولا ضرب بمطرقة. وقيل : لأن الحديد في يده لما أوتي من شدّة القوّة. وقرىء :( صابغات ) وهي الدروع الواسعة الضافية، وهو أوّل من اتخذها وكانت قبل صفائح. وقيل : كان يبيع الدرع بأربعة آلاف فينفق منها على نفسه وعياله، ويتصدّق على الفقراء. وقيل : كان يخرج حين ملك بني إسرائيل متنكراً، فيسأل الناس عن نفسه، ويقول لهم : ما تقولون في داود ؟ فيثنون عليه، فقيض الله له ملكاً في صورة آدمي فسأله على عادته، فقال : نعم الرجل لولا خصلة فيه فريع داود، فسأله ؟ فقال : لولا أنه يطعم عياله من بيت المال، فسأل عند ذلك ربه أن يسبب له ما يستغني به عن بيت المال، فعلمه صنعة الدروع ﴿ وَقَدَّرَ ﴾ لا تجعل المسامير دقاقاً فتقلق، ولا غلاظاً فتفصم الحلق. والسرد : نسج الدروع ﴿ وَاعْمَلُواْ ﴾ الضمير لدواد وأهله ﴿ * و ﴾ سخرنا ﴿ لِسْلَيْمَانَ * الرّيحَ ﴾ فيمن نصب : ولسليمان الريح مسخرة، فيمن رفع، وكذلك فيمن قرأ : الرياح، بالرفع ﴿ غُدُوُّهَا شَهْرٌ ﴾ جريها بالغداة مسيرة شهر، وجريها بالعشي كذلك. وقرىء :( غدوتها وروحتها ). وعن الحسن رضي الله عنه : كان يغدون فيقيل باصطخر، ثم يروح فيكون رواحه بكابل. ويحكى أنّ بعضهم رأي مكتوباً في منزل بناحية دجلة كتبه بعض أصحاب سليمان : نحن نزلناه وما بنيناه ومبنياً وجدناه، غدونا من اصطخر فقلناه، ونحن رائحون منه فبائتون بالشام إن شاء الله. القطر : النحاس المذاب من القطران. فإن قلت : ماذا أراد بعين القطر ؟ قلت : أراد بها معدن النحاس ولكنه أساله كما ألان