تعالى :﴿ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا ﴾ ( يس : ٧١ ) و ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ ﴾. فإن قلت : فما معنى قوله :﴿ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ ﴾ ( ص : ٧٥ ) ؟ قلت : الوجه الذي استنكر له إبليس السجود لآدم، واستنكف منه أنه سجود لمخلوق، فذهب بنفسه، وتكبر أن يكون سجوده لغير الخالق، وانضم إلى ذلك أنّ آدم مخلوق من طين وهو مخلوق من نار. ورأى للنار فضلاً على الطين فاستعظم أن يسجد لمخلوق مع فضله عليه في المنصب، وزلّ عنه أنّ الله سبحانه حين أمر به أعزَّ عباده عليه وأقربهم منه زلفى وهم الملائكة، وهم أحقّ بأن يذهبوا بأنفسهم عن التواضع للبشر الضئيل، ويستنكفوا من السجود له من غيرهم، ثم لم يفعلوا وتبعوا أمر الله وجعلوه قدّام أعينهم، ولم يلتفتوا إلى التفاوت بين الساجد والمسجود له، تعظيماً لأمر ربهم وإجلالاً لخطابه : كان هو مع انحطاطه عن مراتبهم حرى بأن يقتدي بهم ويقتفي أثرهم، ويعلم أنهم في السجود لمن هو دونهم بأمر الله، أوغل في عبادته منهم في السجود له، لما فيه من طرح الكبرياء وخفض الجناح، فقيل له : ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ، أي : ما منعك من السجود لشيء هو كما تقول مخلوق خلقته بيدي لا شكّ في كونه مخلوقاً امتثالاً لأمري وإعظاماً لخطابي كما فعلت الملائكة، فذكر له ما تركه من السجود مع ذكر العلة التي تشبث بها في تركه، وقيل له : لما تركته مع وجود هذه العلة، وقد أمرك الله به، يعني : كان عليك أن تعتبر أمر الله ولا تعتبر هذه العلة، ومثاله : أن يأمر الملك وزيره أن يزور بعض سقاط الحشم

__________


الصفحة التالية
Icon