من جهتك. فمن حيث لم يبق فرق فيما يرجع إلى أداء الغرض بين ذكر المكان وتركه، قيل :﴿ فَرَّطَتُ فِى جَنبِ اللَّهِ ﴾ على معنى : فرطت في ذات الله. فإن قلت : فمرجع كلامك إلى أن ذكر الجنب كلا ذكر سوى ما يعطى من حسن الكناية وبلاغتها، فكأنه قيل : فرطت في الله. فما معنى فرطت في الله ؟ قلت : لا بدّ من تقدير مضاف محذوف، سواء ذكر الجنب أو لم يذكر. والمعنى : فرطت في طاعة الله وعبادة الله، وما أشبه ذلك. وفي حرف عبد الله وحفصة : في ذكر الله. وما في ما فرطت مصدرية مثلها في ﴿ بِمَا رَحُبَتْ ﴾ ( التوبة : ٢٥ )، ( التوبة : ١١٨ )، ﴿ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ قال قتادة : لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها، ومحل ﴿ وَإِن كُنتُ ﴾ على النصب على الحال، كأنه قال : فرطت وأنا ساخر، أي : فرطت في حال سخريتي. وروى : أنه كان في بني إسرائيل عالم ترك علمه وفسق. وأتاه إبليس وقال له : تمتع من الدنيا ثم تب، فأطاعه، وكان له مال فأنفقه في الفجوز، فأتاه ملك الموت في ألذّ ما كان فقال : يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله، ذهب عمري في طاعة الشيطان، وأسخطت ربي فندم حين لم ينفعه الندم، فأنزل الله خبره في القرآن ﴿ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِى ﴾ لا يخلو : إما أن يريد الهداية بالإلجاء أو بالإلطاف أو بالوحي، فالإلجاء خارج عن الحكمة، ولم يكن من أهل الإلطاف فليلطف به. وأما الوحي فقد كان، ولكنه أعرض ولن يتبعه حتى يهتدي، وإنما يقول هذا تحير في أمره وتعلالاً بما لا يجدي عليه، كما حكى عنهم التعلل بإغواء الرؤوساء والشياطين ونحو ذلك ونحوه ﴿ لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ﴾ ( إبراهيم : ٢١ ) وقوله :﴿ بَلَى قَدْ جَاءتْكَ ءايَاتِى ﴾ ردّ من الله عليه، معناه : بلى قد هديت بالوحي فكذبت به واستكبرت عن قبوله، وآثرت الكفر على الإيمان، والضلالة على الهدى. وقرىء : بكسر التاء على مخاطبة النفس. فإن قلت : هلا قرن الجواب بما هو جواب له، وهو قوله :﴿ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِى ﴾ ولم يفصل بينهما بآية ؟ قلت : لأنه لا يخلو : إما أن يقدّم على أخرى القرائن الثلاث فيفرق بينهن. وأما أن تؤخر القرينة الوسطى، فلم يحسن