غير، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز، وكذلك حكم ما يروى :
( ٩٧٣ ) أن جبريل جاء إلى رسول الله ﷺ، فقال : يا أبا القاسم، إن الله يمسك السماوات يوم القيامة على أصبع والأرضين على أصبع والجبال على أصبع والشجر على أصبع الثرى على الأصبع وسائر الخلق على أصبع، ثم يهزهن فيقول أنا الملك فضحك رسول الله ﷺ تعجباً مما قال ثم قرأ تصديقاً له ﴿ وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾... الآية، وإنما ضحك : أفصح العرب ﷺ وتعجب لأنه لم يفهم منه إلاّ ما يفهمه علماء البيان من غير تصوّر إمساك ولا أصبع ولا هزّ ولا شيء من ذلك، ولكن فهمه وقع أوّل شيء وآخره على الزبدة والخلاصة التي هي الدلالة على القدرة الباهرة، وأن الأفعال العظام التي تتحير فيها الأفهام والأذهان ولا تكتنهها الأوهام هينة عليه هواناً لا يوصل السامع إلى الوقوف عليه، إلا إجراء العبارة في مثل هذه الطريقة من التخييل، ولا ترى باباً في علم البيان أدقّ ولا أرقّ ولا ألطف من هذا الباب، ولا أنفع وأعون على تعاطي تأويل المشتبهات من كلام الله تعالى في القرآن وسائر الكتب السماوية وكلام الأنبياء، فإنّ أكثره وعليته تخييلات قد زلت فيها الأقدام قديماً، وما أوتي الزالون إلاّ من قلة عنايتهم بالبحث والتنقير، حتى يعلموا أن في عداد العلوم الدقيقة علماً لو قدره حق قدره، لما خفي عليهم أنّ العلوم كلها مفتقرة إليه وعيال عليه، إذ لا يحل عقدها الموربة ولا يفك قيودها المكربة إلا هو، وكم آية من آيات التنزيل وحديث من أحاديث الرسول، وقد ضيم وسيم الخسف بالتأويلات الغثة، والوجوه الرثة، لأنّ من تأول ليس من هذا العلم في عير ولا نفير، ولا يعرف قبيلاً منه من دبير والمراد والأرض : الأرضون السبع، يشهد لذلك شاهدان، قوله :﴿ جَمِيعاً ﴾ وقوله :﴿ وَالسَّمَاواتِ ﴾ ولأنّ الموضع موضع