فلما وصفوا به على سبيل الثناء عليهم، علم أنّ إيمانهم وإيمان من في الأرض وكل من غاب عن ذلك المقام سواء : في أنّ إيمان الجميع بطريق النظر والاستدلال لا غير، وأنه لا طريق إلى معرفته إلاّ هذا، وهو منزه عن صفات الإجرام. وقد روعي التناسب في قوله :﴿ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾، ﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ ﴾ كأنه قيل : ويؤمنون ويستغفرون لمن في مثل حالهم وصفتهم. وفيه تنبيه على أنّ الاشتراك في الإيمان يجب أن يكون أدعى شيء إلى النصيحة، وأبعثه على إمحاض الشفقة وإن تفاوتت الأجناس وتباعدت الأماكن. فإنه لا تجالس بين ملك وإنسان، ولا بين سماوي وأرضي قط، ثم لما جاء الإيمان جاء معه التجانس الكلي والتناسب الحقيقي، حتى استغفر من حول العرش لمن فوق الأرض. قال الله تعالى :﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الاْرْضِ ﴾ ( الشورى : ٥ ). أي : يقولون :﴿ رَبَّنَا ﴾ وهذا المضمر يحتمل أن يكون بياناً ليستغفرون مرفوع مثله، وأن يكون حالاً. فإن قلت : تعالى الله عن المكان، فكيف صحّ أن يقال : وسع كل شيء ؟ قلت : الرحمة والعلم هما اللذان وسعا كل شيء في المعنى. ولأصل : وسع كل شيء رحمتك وعلمك، ولكن أزيل الكلام عن أصله بأن أسند الفعل إلى صاحب الرحمة والعلم، وأخرجا منصوبين على التمييز للإغراق في وصفه بالرحمة والعلم، كأن ذاته رحمة وعلم واسعان كل شيء. فإن قلت : قد ذكر الرحمة والعلم فوجب أن يكون ما بعد الفاء مشتملاً على حديثهما جميعاً، وما ذكر إلاّ الغفران وحده ؟ قلت : معناه فاغفر للذين

__________


الصفحة التالية
Icon