ظاهرة. والقول الأكثر أنّ المراد بالليلة المباركة : ليلة القدر، لقوله تعالى :﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ ( القدر : ١ ) ولمطابقة قوله :﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ لقوله :﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ وقول تعالى :﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ ( البقرة : ١٨٥ ) وليلة القدر في أكثر الأقاويل في شهر رمضان. فإن قلت : ما معنى إنزال القرآن في هذه الليلة ؟ قلت : قالوا أنزل جملة واحدة من السماء السابعة إلى السماء الدنيا، وأمر السفرة الكرام بانتساخه في ليلة القدر، وكان جبريل عليه السلام ينزله على رسول الله ﷺ نجوماً نجوماً. فإن قلت :﴿ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ ( الدخان : ٣ ٤ ) ما موقع هاتين الجملتين ؟ قلت : هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان. فسر بهما جواب القسم الذي هو قوله تعالى :﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾ ( الدخان : ٣ ) كأنه قيل : أنزلنا ؛ لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب، وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصاً ؛ لأنّ إنزال القرآن من الأمور الحكيمة، وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم. والمباركة : الكثير الخير لما يتيح الله فيها من الأمور التي يتعلق بها منافع العباد في دينهم ودنياهم، ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده لكفى به بركة، ومعنى ﴿ يُفْرَقُ ﴾ يفصل ويكتب كل أمر حكيم من أرزاق العباد وآجالهم، وجميع أمورهم منها إلى الأخرى القابلة. وقيل : يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة، ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل، ونسخة الحروب إلى جبريل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم ونسخة المصائب إلى ملك الموت. وعن بعضهم : يعطى كل عامل بركات أعماله، فيلقى على ألسنة الخلق مدحه، وعلى قلوبهم هيبته. وقرىء ( يفرق ) بالتشديد و ﴿ يُفْرَقُ ﴾ كل على بنائه للفاعل ونصب كل، والفارق : الله عزّ وجلّ، وقرأ زيد بن علي رضي الله عنه ( نفرق ) بالنون، كل أمر حكيم : كل شأن ذي حكمة، أي : مفعول على ما تقتضيه الحكمة، وهو من الإسناد المجازى ؛ لأنّ الحكيم صفة صاحب الأمر على