رقبته، فوقع عبارة عن القتل، وإن ضرب بغير رقبته من المقاتل كما ذكرنا في قوله :﴿ بِمَا كَسَبَتْ * أَيْدِيكُم ﴾ ( الشورى : ٣٠ ) على أن في هذه العبارة من الغلظة والشدّة ما ليس في لفظ القتل، لما فيه من تصوير القتل بأشنع صورة وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأوجه أعضائه. ولقد زاد في هذه الغلظة في قوله تعالى :﴿ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الاعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ ( الأنفال : ١٢ ). ﴿ أَثْخَنتُمُوهُمْ ﴾ أكثرتم قتلهم وأغلظتموه، من الشيء الثخين : وهو الغليظ. أو أثقلتموهم بالقتل والجراح حتى أذهبتم عنهم النهوض ﴿ فَشُدُّواْ الْوَثَاقَ ﴾ فأسروهم. والوثاق بالفتح والكسر : اسم ما يوثق به ( منا ) و ( فداه ) منصوبان بفعلهما مضمرين، أي : فإمّا تمنون منا، وإما تفدون فداء. والمعنى : التخيير بعد الأسر بين أن يمنوا عليهم فيطلقوهم، وبين أن يفادوهم. فإن قلت : كيف حكم أساري المشركين ؟ قلت : أمّا عند أبي حنيفة وأصحابه فأحد أمرين : إمّا قتلهم وإمّا استرقاقهم : أيهما رأى الإمام، ويقولون في المنّ والفداء المذكورين في الآية : نزل ذلك في يوم بدر ثم نسخ. وعن مجاهد : ليس اليوم منّ ولا فداء، وإنما هو الإسلام أو ضرب العنق. ويجوز أن يراد بالمنّ : أن يمنّ عليهم بترك القتل ويسترقوا. أو يمنّ عليهم فيخلوا لقبولهم الجزية، وكونهم من أهل الذمّة. وبالفداء أن يفادي بأساراهم أساري المشركين، فقد رواه الطحاوي مذهباً عن أبي حنيفة، والمشهور أنه لا يرى فداءهم لا بمال ولا بغيره، خيفة أن يعودوا حرباً للمسلمين، وأما الشافعي فيقول : للإمام أن يختار أحد أربعة على حسب ما اقتضاه نظره للمسلمين، وهو : القتل، والاسترقاق، والفداء بأساري المسلمين، والمن. ويحتج بأن رسول الله ﷺ منّ على أبي عروة الحجبي، وعلى ثمامة بن أثال الحنفي، وفادى رجلاً برجلين من المشركين. وهذا كله منسوخ عند أصحاب الرأي. وقرىء :( فدى ) بالقصر مع فتح الفاء. أو زار الحرب : آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع. قال الأعشى. % ( وَأَعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ أَوْزَارَهَا رِمَاحاً طِوَالاً وَخَيْلاً ذُكُوراً ;
وسميت أوزارها لأنه لما لم يكن لها بد من جرّها فكأنها تحملها وتستقل بها، فإذا انقضت فكأنها وضعتها. وقيل : أوزارها آثامها، يعني : حتى يترك أهخل الحرب. هم المشركون شركهم ومعاصيهم بأن يسلموا. فإن قلت :( حتى ) بم تعلقت ؟ قلت : لا تخلو