فلان يتعنت فلاناً، أي : يطلب ما يؤدّيه إلى الهلاك. وقد أعنت العظم : إذا هيض بعد الجبر. وهذا يدل على أن بعض المؤمنين زينوا لرسول الله ﷺ الإيقاع ببني المصطلق وتصديق قول الوليد. وأن نظائر ذلك من الهنات كانت تفرط منهم، وأن بعضهم كانوا يتصوّنون ويزعهم جدّهم في التقوى عن الجسارة على ذلك، وهم الذين استثناهم بقوله تعالى :﴿ وَلَاكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الاْيمَانَ ﴾ أي إلى بعضكم، ولكنه أغنت عن ذكر البعض : صفتهم المفارقة لصفة غيرهم، وهذا من إيجازات القرآن ولمحاته اللطيفة، التي لا يفطن لها إلا الخواص. وعن بعض المفسرين : هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى. وقوله :﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الرشِدُونَ ﴾ والخطاب لرسول الله ﷺ، أي : أولئك المستثنون هم الراشدون يصدق ما قلته. فإن قلت : ما فائدة تقديم خبر إن على اسمها ؟ قلت : القصد إلى توبيخ بعض المؤمنين على ما استهجن الله منهم من استتباع رأي رسول الله ﷺ لارائهم، فوجب تقديمه لانصباب الغرض إليه. فإن قلت : فلم قيل ﴿ يُطِيعُكُمْ ﴾ دون : أطاعكم ؟ قلت : للدلالة على أنه كان في أرادتهم استمرار عمله على ما يستصوبونه. وأنه كلما عنّ لهم رأى في أمر كان معمولاً عليه، بدليل قوله :﴿ فِى كَثِيرٍ مّنَ الاْمْرِ ﴾ كقولك : فلان يقري الضيف ويحمي الحريم، تريد : أنه مما اعتاده ووجد منه مستمرّاً. فإن قلت : كيف موقع ﴿ وَلَاكِنَّ ﴾ وشريطتها مفقودة : من مخالفة ما بعدها لما قبلها نفياً وإثباتاً ؟ قلت : هي مفقودة من حيث اللفظ، حاصلة من حيث المعنى ؛ لأن الذين حبب إليهم الإيمان قد غايرت صفتهم صفة المتقدّم ذكرهم، فوقعت، لكنّ في حاق موقعها من الاستدراك. ومعنى تحبيب الله وتكريهه للطف والإمداد بالتوفيق، وسبيله الكتابة كما سبق، وكل