وهما لذوات متفقة، وصفتان متفقتان، فكان عطفاً للشيء على نفسه ؟ قلت : ليسئا بمتفقتين، من حيث إنّ كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه : من تناهي الحرارة وقطع الأمعاء : أمر عجيب، وشربهم له على ذلك كما تشرب الهيم الماء : أمر عجيب أيضاً، فكانتا صفتين مختلفتين. النزل : الرزق الذي يعدّ للنازل تكرماً له. وفيه تهكم، كما في قوله تعالى :﴿ فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ ( آل عمران : ٢١ ) وكقول أبي الشعر الضبي. % ( وَكُنَّا إِذَا الْجَبَّارُ بِالْجَيْشِ ضَافَنَا % جَعَلْنَا الْقَنَا وَالمُوْهِفَاتِ لَهُ نُزْلاَ ) %
وقرىء :( نزلهم ) بالتخفيف.
! ٧ < ﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ * أَفَرَءَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ * أَءَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِى مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الاٍّ ولَى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ > ٧ !
< < الواقعة :( ٥٧ ) نحن خلقناكم فلولا..... > > ﴿فَلَوْلاَ تُصَدّقُونَ ﴾ تحضيض على التصديق : إما بالخلق لأنهم وإن كانوا مصدّقين به، إلا أنهم لما كان مذهبهم خلاف ما يقتضيه التصديق، فكأنهم مكذبون به. وإما بالبعث ؛ لأنّ من خلق أولاً لم يمتنع عليه أن يخلق ثانياً ( ما تمنون ) ما تمنونه، أي : تقذفونه في الأرحام من النطف وقرأ أبو السمال بفتح التاء يقال : أمني النطفة ومناها. قال الله تعالى :﴿ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾ ( النجم : ٤٦ ). ﴿ تَخْلُقُونَهُ ﴾ تقدرونه تصوّرونه ﴿ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ﴾ تقديراً وقسمناه عليكم قسمة الرزق على اختلاف وتفاوت كما تقتضيه مشيئتنا، فاختلفت أعماركم من قصير وطويل ومتوسط. وقرىء :( قدرنا ) بالتخفيف. سبقته على الشيء : إذا أعجزته عنه وغلبته عليه ولم تمكنه منه، فمعنى قوله :﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَن نُّبَدّلَ أَمْثَالَكُمْ ﴾ أنا قادرون على ذلك لا تغلبوننا عليه، وأمثالكم جمع مثل : أي على أن نبدل منكم ومكانكم أشباهكم من الخلق، وعلى أن ( ننشأكم ) في خلق لا تعلمونها وما عهدتم بمثلها، يعني : أنا نقدر على الأمرين جميعاً : على خلق ما يماثلكم، وما لا يماثلكم ؛ فكيف نعجز عن إعادتكم. ويجوز أن يكون ﴿ أَمْثَالَكُم ﴾ جمع مثل، أي : على أن نبدّل ونغير صفاتكم التي أنتم عليها في خلقكم وأخلاقكم، وننشئكم في صفات لا تعلمونها. قرىء :( النشأة ) والنشاءة. وفي هذا دليل على صحة القياس حيث جهَّلهم في ترك قياس النشأة الأخرى على الأولى.

__________


الصفحة التالية
Icon