وقام فانطلق، معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها. فساءه ذلك، فنزل جبريل وقال : خذها يا محمد هنأك اللَّه في أهل بيتك فأقرأه السورة. فإن قلت : ما معنى ذكر الحرير مع الجنة ؟ قلت : المعنى وجزاهم بصبرهم على الإيثار وما يؤدّي إليه من الجوع والعرى بستانا فيه مأكل هنيّ، وحريراً فيه ملبس بهيّ. يعني : أن هواءها معتدل، لا حرّ شمس يحمي ولا شدّة برد تؤذي. وفي الحديث : هواء الجنة سجسج، لا حرّ ولا قرّ. وقيل : الزمهرير القمر. وعن ثعلب : أنه في لغة طيىء. وأنشد :% ( وَلَيْلَةٍ ظَلاَمُهَا قَدِ اعتَكَر % قَطَعْتُهَا وَالزَّمْهَرِيرُ مَا زَهَرْ ) %
والمعنى : أن الجنة ضياء فلا يحتاج فيها شمس وقمر. فإن قلت :﴿ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا ﴾ علام عطفت ؟ قلت : على الجملة التي قبلها ؛ لأنها في موضع الحال من المجزيين ؛ وهذه حال مثلها عنهم لرجوع الضمير منها إليهم في عليهم، إلا أنها اسم مفرد، وتلك جملة في حكم مفرد تقديره : غير رائين فيها شمساً ولا زمهريراً، ودانية عليهم ظلالها ؛ ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين مجتمعان لهم، كأنه قيل : وجزاهم جنة جامعين فيها بين البعد عن الحرّ والقرّ ودنوّ الظلال عليهم وقرىء ( ودانية ) بالرفع، على أن ظلالها مبتدأ، ودانية خبر، والجملة في موضع الحال ؛ والمعنى : لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً، والحال أن ظلالها دانية عليهم ؛ ويجوز أن تجعل ﴿ مُتَّكِئِينَ ﴾ و ﴿ لاَ يَرَوْنَ ﴾ و ﴿ دَانِيَةٌ ﴾ كلها صفات لجنة. ويجوز أن يكون ﴿ وَدَانِيَةً ﴾ معطوفة على جنة، أي : وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها، على أنهم وعدوا جنتين، كقوله ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ ﴾ ( الرحمان : ٤٦ )، لأنهم وصفوا بالخوف :﴿ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا ﴾ ( الإنسان : ١٠ )، فإن قلت : فعلام عطف ﴿ وَذُلِّلَتْ ﴾ ؟ قلت : هي إذا رفعت ﴿ وَدَانِيَةً ﴾ جملة فعلية معطوفة على جملة ابتدائية، وإذا نصبتها على الحال، فهي حال من دانية، أي : تدنو ظلالها عليهم في حال تذليل قطوفها لهم. أو معطوفة عليها على : ودانية عليهم ظلالها، ومذللة قطوفها ؛ وإذا نصبت ﴿ وَدَانِيَةً ﴾ على الوصف، فهي صفة مثلها ؛ ألا ترى أنك لو قلت : جنة ذللت قطوفها : كان صحيحاً ؛ وتذليل القطوف : أن تجعل ذللا لا تمتنع على قطافها كيف شاؤا. أو تجعل ذليلة لهم خاضعة متقاصرة، من قولهم : حائط ذليل إذا كان

__________


الصفحة التالية
Icon