قصيراً ﴿ قَوارِيرَ قَوارِيرَ ﴾ قرئا غير منونين، وبتنوين الأول، ، وبتنوينهما. وهذا التنوين بدل من ألف الإطلاق، لأنه فاصلة ؛ وفي الثاني لإتباعه الأوّل، ومعنى قوارير من ﴿ فِضَّةٍ ﴾ أنها مخلوقة من فضة، وهي مع بياض الفضة وحسنها في صفاء القوارير وشفيفها. فإن قلت : ما معنى كانت ؟ قلت هو من ( يكون ) في قوله :﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ ( البقرة : ١١٧ ) أي : تكوّنت قوارير، بتكون الله تفخيماً لتلك الخلقة العجيبة الشأن، الجامعة بين صفتي الجوهرين المتباينين. ومنه كان في قوله : كان مزاجها كافوراً. وقرىء ( قوارير من فضة ) بالرفع على : هي قوارير ﴿ قَدَّرُوهَا ﴾ صفة لقوارير من فضة. ومعنى تقديرهم لها : أنهم قدروها في أنفسهم أن تكون على مقادير وأشكال على حسب شهواتهم، فجاءت كما قدّروا. وقيل : الضمير للطائفين بها، دل عليهم قوله :﴿ وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ ﴾ ( الإنسان : ١٥ )، على أنهم قدروا شرابها على قدر الري، وهو ألذ للشارب لكونه على مقدار حاجته لا يفضل عنها ولا يعجز. وعن مجاهد : لا تفيض ولا تغيض. وقرىء :( قدّروها ) على البناء للمعفول. ووجهه أن يكون من قدر، منقولا من قدر. تقول : قدرت الشيء وقدرنيه فلان : إذا جعلك قادراً له. ومعناه : جعلوا قادرين له كما شاؤا. وأطلق لهم أن يقدروا على حسب ما اشتهوا، سميت العين زنجبيلاً لطعم الزنجبيل فيها، والعرب تستلذه وتستطيبه.
قال الأعشى :% ( كَأَنَّ الْقَرَنْفُلَ وَالزَّنْجَبِيل % بَاتَا بِفِيهَا وَأَرْياً مَشُورَا ) %
وقال المسيب بن علس. % ( وَكَأَنَّ طَعْمَ الزَّنْجَبِيلِ بِه % إذْ ذُقْتُهُ وَسُلاَفَةَ الْخَمْرِ ) %
و ﴿ سَلْسَبِيلاً ﴾ لسلاسة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها، يعني : أنها في طعم الزنجبيل وليس فيها لذعه، ولكن نقيض اللذع وهو السلاسة. يقال : شراب سلسل وسلسال وسلسبيل، وقد زيدت الباء في التركيب حتى صارت الكلمة خماسية. ودلت على غاية السلاسة. قال الزجاج : السلسبيل في اللغة : صفة لماكان في غاية السلاسة. وقرىء ( سلسبيل ) على منع الصرف، لاجتماع العلمية والتأنيث : وقد عزوا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن معناه سل سبيلا إليها، وهذا غير مستقيم على ظاهره. إلا أن