على أعدائك من أهل مكة ؛ ولا تطع منهم أحداً قلة صبر منك على أذاهم وضجراً من تأخر الظفر، وكانوا مع إفراطهم في العداوة والإيذاء له ولمن معه يدعونه إلى أن يرجع عن أمره ويبذلون له أموالهم وتزويج أكرم بناتهم إن أجابهم. فإن قلت : كانوا كلهم كفرة، فما معنى القسمة في قوله ﴿ أَوْ كَفُوراً وَاذْكُرِ ﴾ ؟ قلت : معناه ولا تطع منهم راكباً لما هو إثم داعياً لك إليه أو فاعلاً لما هو كفر داعياً لك إليه ؛ لأنهم إما أن يدعوه إلى مساعدتهم على فعل هو إثم أو كفر، أو غير إثم ولا كفر، فنهى أن يساعدهم على الاثنين دون الثالث. وقيل : الآثم عتبة ؛ والكفور : الوليد ؛ لأنّ عتبة كان ركاباً للمآثم، متعاطياً لأنهواع الفسوق ؛ وكان الوليد غالباً في الكفر شديد الشكيمة في العتوّ. فإن قلت : معنى أو : ولا تطع أحدهما، فهلا جيء بالواو ليكون نهياً عن طاعتهما جميعاً ؟ قلت : لو قيل : ولا تطعهما، جاز أن يطيع أحدهما ؛ وإذا قيل : لا تطع أحدهما، علم أنَّ الناهي عن طاعة أحدهما : عن طاعتهما جميعاً أنهى. كما إذا نهى أن يقولا لأبويه : أف، علم أنه منهى عن ضربهما على طريق الأولى ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ ودم على صلاة الفجر والعصر ﴿ وَمِنَ الَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ ﴾ وبعض الليل فصل له. أو يعني صلاة المغرب والعشاء، وأدخل ( من ) على الظرف للتبعيض، كما دخل على المفعول في قوله :﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ ﴾ ( نوح : ٤ )، ﴿ وَسَبّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ﴾ وتهجد له هزيعاً طويلا من الليل : ثلثيه، أو نصفه، أو ثلثه.
! ٧ < ﴿ إِنَّ هَاؤُلاَءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً * نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً ﴾ > ٧ !
< < الإنسان :( ٢٧ - ٢٨ ) إن هؤلاء يحبون..... > > ﴿ إِنَّ هَاؤُلاَءِ ﴾ الكفرة ﴿ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ﴾ يؤثرونها على الآخرة، كقوله :﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا ﴾ ( الأعلى : ١٦ )، ﴿ وَرَآءَهُمْ ﴾ قدّامهم أو خلف ظهورهم لا يعبأون به ﴿ يَوْماً ثَقِيلاً ﴾ استعير الثقيل لشدّته وهواله، من الشيء الثقيل الباهظ لحامله. ونحوه :﴿ ثَقُلَتْ فِى * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ﴾ ( الأعراف : ١٨٧ )، الأسر : الربط والتوثيق. ومنه : أسر الرجل إذا أوثق بالقدّ وهو الإسار. وفرس مأسور الخلق. وترس مأسور بالعقب. والمعنى : شددنا توصيل عظامهم بعضها ببعض، وتوثيق مفاصلهم بالأعصاب. ومثله

__________


الصفحة التالية
Icon