عليه فقد اختبر حاله أيصبر أم يجزع ؟ فالحكمة فيهما واحد. ونحوه قوله تعالى :﴿ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ ( الأنبياء : ٣٥ )، فإن قلت : هلا قال : فأهانه وقدر عيه رزقه، كما قال فأكرمه ونعمه ؟ قلت لأن البسط إكرام من الله لعبده بإنعامه عليه متفضلاً من غير سابقة، وأما التقدير فليس بإهانة له ؛ لأنّ الإخلال بالتفضل لا يكون إهانة، ولكن تركا للكرامة، وقد يكون المولى مكرماً لعبده ومهيناً له، وغير مكرم ولا مهين ؛ وإذا أهدى لك زيد هدية قلت : أكرمني بالهدية، ولا تقول : أهانني ولا أكرمني إذا لم يهد لك. فإن قلت : فقد قال :﴿ فَأَكْرَمَهُ ﴾ فصحح إكرامه وأثبته، ثم أنكر قوله :﴿ رَبّى أَكْرَمَنِ ﴾ وذمّه عليه، كما أنكر قوله :﴿ أَهَانَنِ ﴾ وذمّه عليه. قلت : فيه جوابان، أحدهما : أنه إنما أنكر قوله ربي أكرمن وذمّه عليه، لأنه قال على قصد خلاف ما صححه الله عليه وأثبته، وهو قصده إلى أنّ الله أعطاه ما أعطاه إكراماً له مستحقاً مستوجباً على عادة افتخارهم وجلالة أقدارهم عندهم، كقوله :﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِى ﴾ ( القصص : ٧٨ )، وإنما أعطاه الله على وجه التفضل من غير استيجاب منه له ولا سابقة ما لا يعتدّ الله إلا به، وهو التقَّوى دون الأنساب والأحساب التي كانوا يفتخرون بها ويرون استحقاق الكرامة من أجلها. والثاني : أن ينساق الإنكار والذمّ إلى قوله :﴿ رَبّى أَهَانَنِ ﴾ يعني أنه إذا تفضل عليه بالخير وأكرم به اعترف بتفضل الله وإكرامه، وإذا لم يتفضل عليه سمى ترك التفضل هواناً وليس بهوان، ويعضد هذا الوجه ذكر الإكرام في قوله :﴿ فَأَكْرَمَهُ ﴾ وقرىء ( فقدر ) بالتخفيف والتشديد وأكرمن، وأهانن : بسكون النون في الوقف، فيمن ترك الياء في الدرج مكتفياً منها بالكسرة.
! ٧ < { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ