﴿ لَّوْ تَعْلَمُونَ ﴾ محذوف الجواب، يعني : لو تعلمون ما بين أيديكم علم الأمر اليقين، أي : كعلمكم ما تستيقنونه من الأمور التي وكلتم بعملها هممكم : لفعلتم ما لا يوصف ولا يكتنه ؛ ولكنكم ضلال جهلة ؛ ثم قال :﴿ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾ فبين لهم ما أنذرهم منه وأوعدهم به ؛ وقد مرّ ما في إيضاح الشيء بعد إبهامه من تفخيمه وتعظيمه، وهو جواب قسم محذوف، والقسم لتوكيد الوعيد، وأن ما أوعدوا به ما لا مدخل فيه للريب ؛ وكرره معطوفاً بثم تغليظاً في التهديد وزيادة في التهويل. وقرىء :( لترؤن ) بالهمز وهي مستكرهة. فإن قلت : لم استكرهت والواو المضمومة قبلها همزة قياس مطرد ؟ قلت : ذاك في الواو التي ضمتها لازمة، وهذه عارضة لالتقاء الساكنين. وقرىء :( لترون ) ولترونها : على البناء للمفعول ﴿ عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾ أي : الرؤية التي هي نفس اليقين وخالصته. ويجوز أن يراد بالرؤية : العلم والإبصار ﴿ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ عن اللهو والتنعم الذي شغلكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه. فإن قلت : ما النعيم الذي يسئل عنه الإنسان ويعاتب عليه ؟ فما من أحد إلاّ وله نعيم ؟ قلت : هو نعيم من عكف همته على استيفاء اللذات، ولم يعش إلاّ ليأكل الطيب ويلبس اللين، ويقطع أوقاته باللهو والطرب، لا يعبأ بالعلم والعمل، ولا يحمل نفسه مشاقهما ؛ فأما من تمتع بنعمة الله وأرزاقه التي لم يخلقها إلاّ لعباده، وتقوّى بها على دراسة العلم والقيام بالعمل، وكان ناهضاً بالشكر : فهو من ذاك بمعزل ؛ وإليه أشار رسول الله ﷺ فيما يروي :
( ١٣٣٨ ) أنه أكل هو وأصحابه تمر وشربوا عليه ماء فقال :( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين ).
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم