خلافها، وأعظم بأن يقال غير ذلك وإن كانت على ما ذكرت وكف الله عنها ستراً على نبيه فما ينبغي إظهارها عليه، فقال عمر : لسماعي هذا الكلام أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس. والذي يدلّ عليه المثل الذي ضربه الله لقصته عليه السلام ليس إلاّ طلبه إلى زوج المرأة أن ينزل له عنها فحسب. فإن قلت : لم جاءت على طريقة التمثيل والتعريض دون التصريح ؟ قلت : لكونها أبلغ في التوبيخ، من قبل أن التأمل إذا أدّاه إلى الشعور بالمعرض به، كان أوقع في نفسه، وأشدّ تمكناً من قلبه، وأعظم أثراً فيه، وأجلب لاحتشامه وحيائه، وأدعى إلى التنبه على الخطأ فيه من أن يبادره به صريحاً، مع مراعاة حسن الأدب بترك المجاهرة. ألا ترى إلى الحكماء كيف أوصوا في سياسة الولد إذا وجدت منه هنة منكرة أن يعرض له بإنكار عليه ولا يصرح. وأن تحكى له حكاية ملاحظة لحاله إذا تأملها استسمج حال صاحب الحكاية فاستمسج حال نفسه، وذلك أزجر له لأنه ينصب ذلك مثالاً لحاله ومقياساً لشأنه، فيتصور قبح ما وجد منه بصورة مكشوفة، مع أنه أصون لما بين الوالد والولد من حجاب الحشمة. فإن قلت : فلم كان ذلك على وجه التحاكم إليه ؟ قلت : ليحكم بما حكم به من قوله :﴿ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ ﴾ ( ص : ٢٤ ) حتى يكون محجوجاً بحكمه ومعترفاً على نفسه بظلمه ﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ ﴾ ظاهره الاستفهام. ومعناه الدلالة على أنه من الأنباء العجيبة التي حقها أن تشيع ولا تخفى على أحد، والتشويق إلى استماعه والخصم : الخصماء، وهو يقع على الواحد والجمع ؛ كالضيف. قال الله تعالى :﴿ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ ( الذاريات : ٢٤ ) لأنه مصدر في أصله، تقول : خصمه خصماً ؛ كما تقول : ضافه ضيفاً. فإن قلت : هذا جمع. وقوله :( خصمان ) تثنية فكيف استقام ذلك ؟ قلت : معنى خصمان : فريقان خصمان، والدليل عليه قراءة من قرأ : خصمان بغي بعضهم على بعض : ونحوه قوله تعالى :﴿ هَاذَا * خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِى رَبّهِمْ ﴾ ( الحج : ١٩ ). فإن قلت : فما تصنع بقوله :﴿ إِنَّ هَذَا أَخِى ﴾ ( ص : ٢٣ ) وهو دليل على اثنين ؟ قلت : هذا قول البعض المراد بقوله بعضنا على بعض. فإن قلت : فقد جاء في الرواية أنه بعث إليه ملكان. قلت : معناه أن التحاكم كان بين ملكين، ولا يمنع ذلك أن يصحبهما آخرون. فإن قلت : فإذا كان التحاكم بين اثنين كيف سماهم جميعاً خصماً في قوله :﴿ وَهَلْ أَتَاكَ ﴾ و ﴿ خَصْمَانِ ﴾ ؟ قلت : لما كان صحب كل واحد من المتحاكمين في صورة الخصم صحت التسمية به. فإن قلت : بم انتصب ( إذ ) ؟ قلت : لا يخلو إما أن ينتصب بأتاك، أو بالنبأ، أو بمحذوف

__________


الصفحة التالية
Icon