والتدقيق العلمي يقول: الصدق الحقيقي أنْ تطابقَ النسبة الكلامية الواقع والاعتقاد، فإن اعتقدتَ شيئاً ولم يحدث، فالنسبة كاذبة وأنت غير كاذب؛ لأن هناك فرقاً بين الخبر والمخْبِر.
وهذه المسألة واضحة في قوله تعالى: ﴿إِذَا جَآءَكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١]
فقولهم: إنك لرسول الله نسبة صادقة؛ لأنها تطابق الواقع، إنما هل وافقتْ معتقدهم؟ لم توافق معتقدهم؛ لذلك شهد الله أنهم كاذبون؛ لأن كلامهم لم يوافق واقعهم الاعتقادي. أو: لأن التكذيب لم يرد به قولهم: إنك لرسول الله وإنما يُراد به قولهم: نشهد، فالتكذيب للشهادة لأن الشهادة أنْ يُواطِئ القلب اللسان، وهم شهدوا بألسنتهم، ولم تؤمن به قلوبهم.
وهنا لَمّا قالوا ﴿اتخذ الله وَلَداً﴾، فهذه نسبة كلامية ليس لها واقع، فهي نسبة كاذبة، فقال تعالى: ﴿إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً..﴾ [الكهف: ٥]
ثم يُسلِّي الحق سبحانه رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لِيُخفِّف عنه ما يلاقي من متاعب وعناد وسَفَه في سبيل الدعوة فيقول تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ..﴾.
ومعنى: ﴿بَاخِعٌ نَّفْسَكَ..﴾ [الكهف: ٦] أي: تجهد نفسك في دعوة قومك إجهاداً يُهلكها، وفي الآية إشفاق على رسول الله؛ لأنه


الصفحة التالية
Icon