ووَصْف النداء هنا بأنه: ﴿نِدَآءً خَفِيّاً﴾ [مريم: ٣] لأنه ليس كنداء الخَلْق للخَلْق، يحتاج إلى رَفْع الصوت حتى يسمع، إنه نداء لله تبارك وتعالى الذى يستوي عنده السر والجهر، وهو القائل: ﴿وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ [الملك: ١٣].
ومن أدب الدعاء أنْ ندعوَه سبحانه كما أمرنا: ﴿ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: ٥٥].
وهو سبحانه ﴿يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧] أي: وما هو أَخْفى من السر؛ لأنه سبحانه قبل أن يكون سِرّاً، علم أنه سيكون سراً.
لذلك، جعل الحق سبحانه أحسن الدعاء الدعاء الخفي؛ لأن الإنسان قد يدعو ربه بشيء، إنْ سمعه غيره ربما استنقصه، فجعل الدعاء خَفياً بين العبد وربه حتى لا يُفتضحَ أمره عند الناس.
أما الحق سبحانه فهو ستَّار يحب الستر حتى على العاصين، وكذلك ليدعو العبد رَبَّه بما يستحي أنْ يذكره أمام الناس، وليكون طليقاً في الدعاء فيدعو ربه بما يشاء؛ لأنه ربُّه ووليه الذي يفزع إليه. وإنْ كان الناس سيحزنون ويتضجرون إن سألتهم أدنى شئ، فإن الله تعالى يفرح بك أن سألته.
لكن لماذا أخفي زكريا دعاءه؟
دعا زكريا ربه أنْ يرزقه الولد، ولكن كيف يتحقق هذا المطلب وقد بلغ من الكبر عتياً وامرأته عاقر؟ فكأن الأسباب الموجودة جميعها مُعطَّلة عنده؛ لذلك توجه إلى الله بالدعاء: يا رب لا ملجأ لي إلا أنت فأنت وحدك القادر على خَرْق الناموس والقانون، وهذا مطلب من زكريا جاء في غير وقته.