أما الدعاء بالله ففي أمور العبادة والتكليف.
ثم يُقدِّم زكريا عليه السلام حيثيات هذا المطلب: ﴿رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي﴾ [مريم: ٤] والوَهَن هو الضعف، وقال: ﴿وَهَنَ العظم﴾ [مريم: ٤] لأن لكل شيء قواماً في الصلابة والقوة، فمثلاً الماء له قوام معروف والدُّهْن له قوام، واللحم له قوام، والعصب والعظم وكل عناصر تكوين الإنسان، والعَظْم هو أقوى هذه الأشياء، والعَظْم في بناء الجسم البشري مثل (الشاسيه) في لغة العصر الحديث، وعلى العظم يبنى جسم الإنسان من لحم ودم وعصب، فإذا أصاب العظام وهي أقوى العناصر ضعفٌ ووهنٌ فغيرها من باب أَوْلى.
لذلك، فإن الرجل العربي حينما شكا الجدب والقحط ماذا قال؟ قال: مرَّتْ بنا سنون صعبة: فَسنة أذابتْ الشحم أي: بعد الجوع وعدم الطعام وسنة أذهبت اللحم أي: بعد أن أنهت الشحم وسنة محَّت العظم.
فكأن العَظْم هو آخر مخزن من مخازن القوت في جسم الإنسان ساعة أن ينقطع عنه الطعام والشراب. والعظم في هذه الحالة يُوجِّه غذاءه للمخ خاصة؛ لأنه ما دام في المخ بقية قبول حياة فما حدث للجسم من تلف قابل للإصلاح والعودة إلى طبيعته، إذن: فسلامة الإنسان مرتبطة بسلامة المخ.
لذلك نجد الأطباء في الحالات الحرجة يُركِّزون اهتمامهم على سلامة المخ، ويرتبون عليه حياة الإنسان أو موته، حتى إن توقف القلب فيمكنهم بالتدليك إعادته إلى حالته الطبيعية، أما إنْ توقف المخ فهذا يعني الموت.