الحجاب: هو الساتر الذي يحجب الإنسان عن غيره ويحجب غيره عنه، فما فائدة أنْ تتخذ بينها وبين أهلها سِتْراً بعد أن ابتعدتْ عنهم؟ نقول: انتبذتْ من أهلها مكاناً بعيداً، هذا في المكان، إنما لا يمنع أنْ يكونَ هناك مكينٌ آخر يسترها حتى لا يطّلع عليها أحد، فهناك إذن مكان ومكين.
والحجاب قد يكون حجاباً مُفْرداً فهو ساتر فقط، وقد يكون حجاباً مستوراً بحجاب غيره، فهو حجاب مُركّب، كما يصنع أهل الترف الآن الستائر من طبقتين، إحداهما تستر الأخرى، فيكون الحجاب نفسه مَسْتوراً، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَاباً مَّسْتُوراً﴾ [الإسراء: ٤٥].
وقوله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا﴾ [مريم: ١٧].
كلمة الروح في القرآن الكريم لها إطلاقات مُتعدّدة، أولها الروح التي بها قِوام حياتنا المادية، فإذا نفخَ الله الروح في المادة دبَّتْ فيها الحياة والحِسّ والحركة، ودارت كل أجهزة الجسم، وهذا المعنى في قوله تعالى:
﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٢٩].
لكن، هل هذه الحياة التي تسري في المادة بروح من الله هي الحياة المقصودة من خَلْق الله للخَلْق؟ قالوا: إنْ كانت هذه الحياة هي المقصودة فما أهونها؛ لأن الإنسان قد يمرُّ بها ويموت بعد ساعة، أو بعد يوم، أو بعد سنة، أو عدة سنوات.
إذن: هي حياة قصيرة حقيرة هيِّنة، هي أقرب إلى حياة الديدان والهوام، أما الإنسان الذي كرّمه الله وخلق الكون من أجله فلا بُدَّ أن


الصفحة التالية
Icon