على اعتبار أن السماء كُلُّ ما علاك فأظلّك، فيكون السحاب من السماء.
نفهم من هذا الرأي أن الفَتْق ليس فَتْقَ السماء عن الأرض، إنما فتق كل منهما على حِدَة، وعلى كل حال هو فَهْم لا يُعطي حكماً جديداً، واجتهاد على قَدْر عطاء العقول قد تُثبته الأيام، وقد تأتي بشيء آخر، المهم أن القوليْن لا يمنع أحدُهما الآخر.
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ... ﴾ [الأنبياء: ٣٠] قال أصحاب التأويل الثاني: ما دام ذكر هنا الماء، فلا بُدَّ أن له صلة بالرَّتْق والفَتْق في كل من الأرض والسماء.
ونلحظ أن الآية لم تَقُلْ: كل شيء حيَّا، إنما ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ... ﴾ [الأنبياء: ٣٠] وقد استدلوا بها على أن الحيَّ المراد به الحياة الإنسانية التي نحياها، ولم يفطنوا إلى أن الماء داخلٌ في تكوين كل شيء، فالحيوان والنبات يحيا على الماء فإنْ فَقَد الماء مات وانتهى، وكذلك الأدنى من الحيوان والنبات فيه مائية أيضاً، فكُلُّ ما فيه لمعة أو طراوة أو ليونة فيه ماء.
فالمعنى ﴿كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ..﴾ [الأنبياء: ٣٠] أي: كل شيء مذكور موجود.
والتحقيق العلمي أن لكل شيء حياةً تناسبه، وكل شيء فيه ماء، بدليل قوله تعالى: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ... ﴾ [الأنفال: ٢٤].
والحق سبحانه يخاطبهم وهم أحياء، إذن: يحييكم أي: حياة أخرى لها قيمة؛ لأن حياتكم هذه قصاراها الدنيا، إنما استجيبوا لحياة أخرى خالدة هي حياة الآخرة.


الصفحة التالية
Icon