ومن عجائب قدرة الله في تكوين الإنسان أن المرأة إذا لم تحمل ينزل عليها دم الحيض، فإذا ما حملتْ لا ترى الحيض أبداً، لماذا؟ لأن هذا الدم ينزل حين لم تكُنْ له مهمة ولا تستفيد به الأم، أمَا وقد حدث الحمل فإنه يتحول بقدرة الله إلى غذاء لهذا الجنين الجديد.
ثم يقول سبحانه: ﴿فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً..﴾ [المؤمنون: ١٤] وهي قطعة صغيرة من اللحم على قَدْر ما يُمضَغ، وسبق أن قلنا: إن المضغة تنقسم بعد ذلك إلى مُخلَّقة وغير مُخلَّقة، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ..﴾ [الحج: ٥] هذا على وجه التفصيل، أما في الآية التي معنا فيُحدِّثنا عن أطوار الخلق عامة، حتى لا نظن أن القرآن فيه تكرار كما يدَّعِي البعض.
المضْغة المخلَّقة هي التي يتكّون منها جوارح الإنسان وأعضاؤه، وغير المخلَّقة تظل كما قلنا: احتياطياً لصيانة ما يتلف من الجسم، كما يحدث مثلاً في الجروح وما شابه ذلك من عطب يصيب الإنسان، فتقوم غير المخلَّقة بدورها الاحتياطي.
ثم يقول تعالى: ﴿فَخَلَقْنَا المضغة عِظَاماً فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ..﴾ [المؤمنون: ١٤] لأنه كان في كل هذه الأطوار: النطفة، ثم العلقة، ثم المضغة، ثم العظام واللحم ما يزال تابعاً لأمة متصلاً بها ويتغذّى منها، فلما شاء الله له أنْ يُولَد ينفصل عن أمه ليباشر حياته بذاته؛ ولذلك نجد لحظة انفصال الجنين عن أمه في


الصفحة التالية
Icon