دون أن ينظر إليها، وهذا يدل على مُنْتهى العِفَّة والصيانة، وهُمْ بالإفك جعلوا الطُّهْر والعفة عُهْراً.
ومن العجيب أن هؤلاء الذين اتهموا القرآن بأنه إفك هم أنفسهم الذين قالوا عنه:
﴿لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١].
فهم يعترفون بالقرآن ويشهدون له، لكن يُتعبهم ويُنغِّص عليهم أن يُنزل على محمد بالذات، فلو نزل فرضاً على غير محمد لآمنوا به.
ومن حُمْقهم أن يقولوا: ﴿اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢].
والمنطق أن يقولوا فاهْدنا إليه، لكنه العناد والمكابرة.
وقوله: ﴿افتراه﴾ [الفرقان: ٤] أي: ادعاه، وعجيب أمر هؤلاء، يتهمون القرآن بأنه إفك مُفْترى، فلماذا لا يفترون هم أيضاً مِثْله، وهم أمة بلاغة وبيان؟!
وفي موضع آخر يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وهذا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾ [النحل: ١٠٣].
وقديماً قالوا: إنْ كنتَ كذوباً فكُنْ ذكوراً، وإلا فكيف تتهمون محمداً أن رجلاً أعجمياً يُعلِّمه القرآن، والقرآن عربي؟
وقوله تعالى: ﴿وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾ [الفرقان: ٤] الذي قال هذه المقولة هو النضر بن الحارث، ولما قالها رددها بعده آخرون أمثال: عدَّاس، ويسَّار، وأبي فكيهة الرومي، والقرآن يرد على كل هذه الاتهامات: ﴿فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً﴾ [الفرقان: ٤] أي: حكموا به


الصفحة التالية
Icon