والمتأمل في هذه الحجة التي يظنها فرعون لصالحه يجد أنها ضده، وأنها تكشف عن غبائه، فلو كان إلهاً كما يدعي لعرف أن هلاكه سيكون على يدي هذا الطفل الذي ضَمَّه إليه ورعاه.
والمراد بالفِعْلة قتل موسى عليه السلام للرجل الذي وكزه فمات ﴿وَأَنتَ مِنَ الكافرين﴾ [الشعراء: ١٩] يصح من الكافرين بألوهية فرعون، أو من الجاحدين لنعمنا عليك وتربيتنا لك.
لذلك العقلاء يروْنَ أن الإنسان حين يربي الأولاد ويراهم كما يحب، فليعلم أنه توفيق وعناية من الله تعالى، بدليل أن الأبناء يُربَّون في بيئة واحدة، وربما كانا توأميْن، ومع ذلك ترى أحدهما صالحاً والآخر طالحاً، فالمسألة عناية إلهية عليا، وقد التقط أحد الشعراء هذا المعنى فقال:

إِذَا لَمْ تُصاَدِفَ في بَنيكَ عِنَايةً فقَدْ كذَبَ الراجي وخَابَ المؤَمَّلُ
فمُوسى الذِي رَبَّاه جِبْريلُ كَافِرٌ ومُوسَى الذي رَبَّاهُ فِرْعَونُ مُرْسَلُ
والمراد موسى السامري صاحب العجل، وقد وضعته أمه في صحراء وماتت، فأرسل الله إليه جبريل عليه السلام يرعاه ويُربِّيه. ولا تأتي هذه المفارقات إلا بعناية الله سبحانه.


الصفحة التالية
Icon