عرض عليه الملْك فرفضه، وآثر أن يكون عبداً رسولاً.
لذلك وجب على كل صاحب نعمة أنْ يستقبلها بحمد الله وشكْره، وسبق أنْ قُلْنا في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم﴾ [التكاثر: ٨] أن حق النعمة أن تحمد المنعم عليها، فلا تُسأل عنها يوم القيامة.
وما أشبه الحمد على النعمة بما يُسمُّونه عندنا في الريف (الرقوبة)، وهي بيضة تضعها ربَّة المنزل في مكان أمين يصلح عُشَّا يبيض فيه الدجاج، فإذا رأتْ الدجاجة هذه البيضة جاءتْ فباضتْ عليها، وهكذا شكر الله وحمده على النعم هو النواة التي يتجمع عليها المزيد من نِعَم الله.
وقد شُرح هذا المعنى في قوله سبحانه: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: ٧] ألاَ ترى أن مَنْ علم علماً فعلم به أورثه الله علم ما لم يعلم؟ لماذا؟ لأنه ما دام عمل بعلمه، فهو مُؤْتمن على العلم؛ لذلك يزيده الله منه ويفتح له مغاليقه، على خلاف مَنْ عَلِم علماً ولم يعمل به، فإنَّ الله يسلبه نور العلم، فيغلق عليه، وتصدأ ذاكرته، وينسى ما تعلَّمه.
والحق تبارك وتعالى يقول: ﴿وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ [لقمان: ١٢] أي: تعود عليه ثمرة شُكْره؛ لأنه إنْ شكر الله بالحمد شكره الله بالزيادة؛ لذلك من أسمائه تعالى (الشكور).
وقوله: ﴿عَلَيَّ﴾ [النمل: ١٩] هذه خصوصية ﴿وعلى وَالِدَيَّ﴾ [النمل: ١٩] لأنه ورث عنهما الملْك والنبوة ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ﴾ [النمل: ١٩] وهذا ثمن النعمة أن أؤدي خدمات الصلاح في المجتمع لأكون مُؤْتمناً على النعمة أهْلاً للمزيد منها.