والحق تبارك وتعالى يريد منَّا أنْ نُوسِّع دائرة الصلاح ودائرة المعروف في المجتمع، أَلاَ ترى إلى قوله سبحانه: ﴿مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً﴾ [البقرة: ٢٤٥].
فسمَّى الخير الذي تقدمه قَرْضاً، مع أنه سبحانه واهب كل النِّعم، وذلك لِيُحنِّن قلوب العباد بعضهم على بعض؛ لأنه تعالى خالقهم، وهو سبحانه المتكفِّل برزقهم.
ثم يقول: ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين﴾ [النمل: ١٩] وذكر الرحمة والفضل؛ لأنهما وسيلة النجاة، وبهما ندخل الجنة، وبدونهما لن ينجو أحد، واقرأ قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؟ قال: ولا أنا إلا أنْ يتغمّدني الله برحمته».
ويقول سبحانه في هذا المعنى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ﴾ [يونس: ٥٨] فالمؤمن الحق لا يفرح بعمله، إنما يفرح: إنْ نال فَضْلَ الله ورحمته، كأنه يقول لربه: لن أتكل يا رب على عملي، بل فضلك ورحمتك هما المتكل، لأنني لو قارنتُ العبادة التي كلفتني بها بما أسدْيتَ إليَّ من نِعَم وآلاء لَقصُرَتْ عبادتي عن أداء حقِّك عليَّ، فإنْ أكرمتني بالجنة فبفضلك.
والبعض يقولون: كيف يعاملنا ربنا بالفضل والزيادة، ويُحرِّم علينا التعامل بالربا؟ أليست الحسنة عنده بعشرة أمثالها أو يزيد؟ نقول: نعم، لكن الزيادة هنا منه سبحانه وتعالى وليستْ من مُسَاو، إنها زيادة ربٍّ لعبيد.


الصفحة التالية
Icon