وفي الآية مظهر من مظاهر أدب سليمان عليه السلام وتلطُّفه مع رعيته، فهو السيد المطاع، ومع ذلك يقول للهدهد: ﴿أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين﴾ [النمل: ٢٧] والصِّدْق يقابله الكذب، لكن سليمان عليه السلام يأبى عليه أدب النبوة أن يتهم أحد جنوده بالكذب فقال: ﴿أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين﴾ [النمل: ٢٧].
يعني: حتى لو وقع منك الكذب فلست فذَّاً فيه، فكثير من الخَلْق يكذبون، أو: من الكاذبين مَيْلاً لهم وقُرْباً منهم، مما يدلُّ على أنه بإلهاماته كنبي يعرف أنه صادق، إنما ما دام الأمر محلَّ نظر فلا بُدَّ أن نتأكد، ولن أجامل جندياً من جنودي.
هذا هو النظر الذي ارتآه سليمان ليتأكد من صِدْق الهدهد: أنْ يرسله بكتاب منه إلى هؤلاء القوم، وهنا مظهر من مظاهر الإيجاز البليغ في القرآن الكريم، فبعد أن قال سليمان ﴿سَنَنظُرُ﴾ [النمل: ٢٧] قال ﴿اذهب بِّكِتَابِي هذا﴾ [النمل: ٢٨].
فهل كان الكتاب مُعَدَّاً وجاهزاً؟ لا، إنما التقدير: قال سننظر


الصفحة التالية
Icon