عجيب أمر فرعون، فبعد أن أمر بقتل الأولاد من بني إسرائيل يأتيه في البحر تابوت به طفل رضيع، فلا يخطر على باله أن أهله ألقوه في البحر لينجو من فرعون، فكيف فاتتْه هذه المسألة وهو إله؟ لم يعرفها بألوهيته، ولا عرفها حتى بذكائه وفِطْنته.
وإذا كان الكهنة أخبروه بأن ذهاب مُلْكه على يد وليد من هؤلاء الأولاد، وإذا كانت هذه النبوءة صحيحة فلا بُدَّ أن الولد سينجو من القتل ويكبر، ويقضي على مُلْك فرعون، وما دام الأمر كذلك فسوف يقتل فرعون الأولاد غير الذي سيكون ذهاب مُلْكه على يديه.
وتشاء إرادة الله أنْ يتربَّى موسى في قصر فرعون، وأنْ تأتي إليه أمه السيدة الفقيرة لتعيش معه عيشة الترف والثراء، ويصير موسى بقدرة الله قُرَّة عَيْن للملكة، فانظر إلى هذا التغفيل، تغفيل عقل وطمس على بصيرة فرعون الذي ادَّعى الألوهية.
وبذلك نفهم قول الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] فقلبه يُغطِّي على بصيرته ويُعمِّيها.
قوله تعالى لأم موسى: ﴿أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم﴾ [القصص: ٧] فمَنْ مِنَ النساء تقبل إنْ خافت على ولدها أنْ تُلقيه في اليم؟ مَنْ ترضى أَنْ تُنجيه من موت مظنون إلى موت محقق؟ وقد جعل الحق سبحانه عاطفة الأمومة تتلاشى أمام وارد الرحمن الذي أتاها، والذي لا يؤثر فيه وارد الشيطان.