تعالَ واجهني، هات عيني في عينك، ولا بُدَّ أنْ يستخزي أهل الباطل، وأنْ يجبنوا عن المواجهة؛ لأنها ليست في صالحهم.
وهذا العجز عن المواجهة يدعو الإنسان إلى ارتكاب أفظع الجرائم، ويصل به إلى القتل، والقتل لا يدل على القوة، إنما يدل على عجز وضعف وجُبْن عن المواجهة، فالقاتل أقرَّ بأنه لا يستطيع أنْ يواجه حياة عدوه فقتله، ولو كان قوياً لواجه حياته.
ومن العذاب الذي يأتي من جنس ما فعل الإنسان في الدنيا قول الله تعالى في الذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله: ﴿والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يحمى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فتكوى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة: ٣٤ - ٣٥]
سبحان الله، كأنها صورة طبق الأصل مما فعلوه في الدنيا، فالواحد منهم يأتيه طالب العطاء فيعبس في وجهه، ثم يُعرض عنه، ويعطيه جنبه، ثم يعرض عنه ويعيطه ظهره، ويأتي العذاب بنفس هذا التفصيل. إذن: فعلى العاقل أن يحذر هذه المخالفات، فمن جنسها يكون العذاب في الآخرة.
وهؤلاء المجرمون حال تنكيسهم يقولون: ﴿رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا..﴾ [السجدة: ١٢] هذا كلامهم، ومع ذلك لم يقل القرآن: قالوا أبصرنا وسمعنا، فحَذْف الفعل هنا يدل على أن القول ليس سهلاً عليهم؛ لأنه إقرار بخطئهم الأول وإعلان لذَّلة التوبة.
وقلنا: إن هذه هي الآية الوحيدة التي تقدَّم فيها البصر على السمع؛ لأن الساعة حين تأتي بأهوالها نرى الهول أولاً، ثم نسمع ما نراه.