ففي الجنة تقرّ العيون بحيث لم يَعُدْ لها تطلعات، فقد كَمُلَتْ لها المعاني، فلا ينبغي لها أنْ تطمع في شيء آخر إلا الدوام.
لذلك يخاطب الله رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ﴿وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحياة الدنيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ... ﴾ [طه: ١٣١]
فالإنسان إذا كانت عينه فارغة تراه زائغ العينين، ينظر هنا وهناك، ولو كانت عينه (مليانة) لانتهى عندها.
ومن معاني مادة (قرَّ) القُرُّ وهو البرد الشديد، وهذا المعنى يَكْنُون به عن سرور النفس، فالعين الباردة أي: المسرورة، أما العين الساخنة فهي الحزينة المتألمة.
ومن المعاني أيضاً لقرور العين سكونها وعدم حركتها لِعلَّة أو عمى، ومن ذلك قول المرأة التي دخلتْ على الخليفة فقالت: أقرَّ الله عينك، وأتمَّ عليك نعمتك.
ففهم الحاضرون أنها تدعو له، فقال: والله ما دعتْ لي، إنما دعتْ علي، فهي تقصد أقرَّ الله عينك يعني: أسكنها لا تتحرك، وأتمَّ عليك نعمتك. أي: أزالها؛ لأن النعمة إذا تمتْ زالت، فلا شيء بعد التمام إلا النقصان.
ثم يُعلِّل الحق سبحانه هذا النعيم الي أخفاه لعباده المؤمنين في الجنة بأنه ﴿جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧] وهذه أثارت معركة بين العلماء هي معركة الأحباء: فريق قال إن المؤمن يدخل الجنة بعمله، كما نصَّتْ هذه الآية أي: أن الجنة بالعدل لا بالفضل، وفريق قال: بل يدخل الجنة بفضل الله، كما جاء في قول الحق سبحانه