ومع ذلك لم يستطع أن يقنع امرأته بأنه إله. لكن حينما أراد أن يشخص قال في مريم عليها السلام: ﴿وَمَرْيَمَ ابنت عِمْرَانَ التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ القانتين﴾ [التحريم: ١٢]
لقد ذكرها الحق وذكر اسم والدها، ذلك لأن الحدث الذي حدث لها لن يتكرر في امرأة أخرى. فالذين يحاولون أن يُقَوّوا القصة بذكر تفاصيلها نقول لهم: أنتم تُفقرون القصة؛ فالمهم هو أن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يقول: إنهم خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت.
ونريد أن نقف موقفا لغويا عند قول الحق: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾. أنت تقول لإنسان: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ يعني ألم ير بعينيه، وبالله هل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهل المؤمنون معه والمؤمنون بعده إلى أن تقوم الساعة رأوا هذه المسألة؟ لا. لقد وصلتهم بوسيلة السماع وليس بالرؤية. ونحن نعلم أن الرؤية تكون بالعين، والسماع يكون بالأذن، والتذوق يكون باللسان، والشم يكون بالأنف، واللمس يكون باليد، إن هذه هي الوسائل التي تعطي للعقل إدراكا وإحساسا لكي يعطي معنويات، وفي ذلك اقرأ قوله تعالى: ﴿والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: ٧٨]
إذن فوسيلة العلم تأتي من الحواس، وسيدة الحواس هي العين؛ لأنه من الممكن أن تسمع شيئا من واحدٍ بتجربته هو، لكن عندما ترى أنت بنفسك فتكون التجربة خاصة بك، ولذلك يقال: «ليس مَن رأى كمن سمع»، فإذا أراد الحق أن يقول: ألم تعلم يا من أخاطبك بالقرآن خبر هؤلاء القوم؟ فهو سبحانه يأتي بها على هذه الصورة: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ﴾ ويعني ألم تعلم والعلم هنا بأي وسيلة؟ بالسمع.


الصفحة التالية
Icon