ولماذا لم يختصر سبحانه المسافة ويقول: «ألم تسمع» بدلا من ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ؟. إنه في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ يخبرك بشيء سابق عن وجودك أو بشيء متأخر عن وجودك، فعليك أن تستقبله استقبالك لما رأيته؛ لأن الله الذي خلق الحواس هو سبحانه أصدق من الحواس، ولذلك جاء قوله تعالى في سورة الفيل: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل﴾ [الفيل: ١]
إننا نعرف أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولد في عام الفيل ولم ير هذه الحادثة فكيف يقول الله له ألم تر؟ إن المعنى من ذلك هو «ألم تعلم» ؟ «ألم تسمع مني» ولم يقل «ألم تسمع» ؟ لكي يؤكد له أنه سيقول له حدثاً هو لم يره ولكن الحق سيخبره به، وإخبار الحق له كأنه يراه. فكأن الله يقول: إن هذه مسألة مفروغ منها وساعة أخبرك بها فكأنك رأيتها.
ونحن نسمع في حياتنا قول الناس: إن فلانا ألمعي. ومعنى ذلك أنه يحدثك حديثاً كأنه رأى أو سمع.
الألمعي الذي يظن بك الظن | كأن قد رأى وقد سمعا |
وقوله تعالى: ﴿حَذَرَ الموت﴾ بيان لعلة الخروج، فأراد الحق سبحانه وتعالى أن يبين لهم أن هذه قضية لا ينفع فيها الحذر، أنتم خرجتم خوفا من الموت سأميتكم والذي كنتم تطلبونه بعد الموت سأحدث لكم غيره، لذلك أحياهم إحياءً آخر حتى يتحسروا، ويأخذوا أجلهم المكتوب ﴿ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ حتى يبين لكم أن أمر الموت بيده