الشيء الذي جعله الحق حراماً. ولا داعي - إذن - للاختلاف في معنى «العقود» والتساؤل: هل هي العقود التي بين العبد وربه، أو بين العبد والناس، أو بين العبد ونفسه، فكل ما نبع من العقد القمة هو عقد على المؤمن وإلزام عليه أن يوفي به.
﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام﴾ سبحانه يستهل السورة بالوفاء بالعقود، ثم إعلان تحليل بهيمة الأنعام. ونعرف أن الإنسان قد طرأ على الكون، وأنه سبحانه قد خلق الكون أولاً. ثم خلق الإنسان فيه، وهذا من رحمة الله بالإنسان فلم يخلق الإنسان أولاً، بل خلق له الشمس وأعد الكون قبل أن يخلق الإنسان، وحين طرأ الإنسان على الكون وجد فيه قوام الحياة من الجماد ومن النبات ومن الحيوان.
وقمة المسخرات للإنسان هي الحيوان؛ لأن الجماد والنبات يخدمان الحيوان، ويشترك الحيوان مع الإنسان في أنّ له حياة ودماء وجوارح. وجاء الحق عنا بالإعلان عن أعلى المنزلة في خدمة الإنسان وهو بهيمة الأنعام ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام﴾ ويأمرنا بأن نوفي بالعقود، وله سبحانه وتعالى كل الحق فقد قدم لنا الثمن بخلق الكون مسخراً لنا وقمة المخلوقات المسخرة هي الأنعام. كأن ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام﴾ حيثية مقدمة من الحق. ونلحظ أنه جاء هنا بصيغة المبنى للمجهول في «أحلت» ؛ لأن الإيمان جعلنا طرفاً في أن تكون بهيمة الأنعام حِلاً لنا.
ووقف العلماء عند «بهيمة الأنعام». وفي اللغة العربية نجد صيغة «فعيل» التي تأتي بمعنى «فاعل» وتأتي بمعنى «مفعول»، مثلما نقول «الله رحيم» أي أنه راحم؛ هو «فاعل»، ونقول «فلان قتيل» أي مقتول أي مفعول به. و «بهيمة الأنعام» هنا تأتي بأي معنى، أهي بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول؟، و «بهيمة» إن نظرنا إلى أنّها مبهمة؛ لأن أمورها مجهولة يصعب إدراكها علينا ولا نعرف حركتها أو إشارتها أو لغاتها التي تتفاهم بها فتكون فعيلة بمعنى مفعولة. وتصلح أن تكون فعيلة بمعنى فاعل؛ لأنها لا تفهم، ونحن المبهمون عليها. ونقول: هي محكومة بالتسخير.
ولم يصنف الإنسان طعامها وهو العلف إلا بعد أن رآها وهي سائبة حرة تتجه إلى العلف لتأكله، إذن فهي التي علمت الإنسان صنف علومها. فلا يقولن إنسان:


الصفحة التالية
Icon