هكذا كان الإيمان الأول من خديجة من فور أن عرفت خبر الوحي. ويطمئن الحق رسوله من بعد ذلك قائلاً: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: ١ - ٤].
وشرح الله صدر رسوله فصار هذا الصدر مهبط الأسرار والعلم وحط عن ظهر الرسول الكريم الأعباء الثقال، وارتبط اسم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأصل الإيمان والعقيدة حتى صار اسم رسول الله مقروناً باسمه - جل شأنه - في الشهادة الأولى للإسلام» أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله «.
إذن كان هذا حال رسول الله حين تجلَّى له المَلَك لا بالحقيقة الملكية، ذلك أن هناك فارقاً بين البنيان البشري والبنيان الملكي. فالبنيان البشري يستقبل الأشياء المادية التي تناسب تكوينه، فإن جاءت له طاقة أعلى منه فلا يمكنه أن يستقبلها إلا إذا أعد الله المَلَك وصَّوره بصورة تجعله قابلاً للإرسال، وأعد الله الرسول ليكون قابلاً للاستقبال. ونعلم جميعاً قصة موسى لما جاء لميقات ربه، وقال الله في وصف ذلك اللقاء: ﴿وَلَمَّا جَآءَ موسى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ولكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسى صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين﴾ [الأعراف: ١٤٣].
والمانع لرؤية الله هو عدم قدرة الإنسان على الإحاطة البصرية بالله، فعندما تجلى الله للجيل المتماسك الصلب صار الجبل دكاً، أي مفتتاً وخر موسى عليه السلام مصعوقاً من هول ما رأى، ولما أفاق تاب الله وأعلن أنه أول المؤمنين به سبحانه فإذا كان الإنسان قد صعق من تجلي الحق للجبل، فكيف يقدر على أن يتجلى الحق له؟