﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول﴾ [الأنفال: ١]
أي أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يكن ليحكم في أمر السيف إلا بعد أن ينزل حكم الله عَزَّ وَجَلَّ. ونعلم جميعاً أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ذهب إلى غزوة بدر ولم يكن يقصد القتال، بل كان الخروج للعير التي تحمل بضائع قريش القادمة من الشام، وليس معها إلا بعد أربعون رجلاً يحرسونها، ولذلك خرج المسلمون وكان عددهم ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً وليس معهم عدة أو عتاد، بل لم يكن لديهم إلا فرسان اثنان لأنهم لم يخرجوا لقتال، بل خرجوا للعير بغية أن يعوضوا أنفسهم شيئاً مما سُلبوه في مكة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إن أبا سفيان سلك طريق الساحل. أي سار في طريق بعيد عن المسلمين ولم يأت من جهة الرسول والذين معه، واستنفرت قريش كل رجالها ليحموا العير، وصار الأمر بين أن يرجع المؤمنون دون حرب، وإما أن يواجهوا النفير، وهو التعداد الكثير، وكانوا ألفاً ومعهم العُدّة والعتاد، فأراد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يشجع الفتيان على الحرب فقال لهم: «من قتل كافراً فله سلبه»، أي أنه خصّهم بأمر زائد عن سهمهم في الغنيمة. فلما علم الكبار من الصحابة والشيوخ، قالوا: يا رسول الله هم قاتلوا وقتلوا، لكن نحن كنا عند الرايات، يفيئون إلينا إن وقعت عليهم هزيمة فلا بد أن نتشارك، وحدث لغط وخلاف، فحسم الله سبحانه وتعالى هذا اللغط بأن أنزل قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول فاتقوا الله﴾.
فبين سبحانه أن الحكم في قسمة الغنائم بين الجميع لله وللرسول وإياكم أن تخرجوا عن أمر الله فيها، واجعلوا بينكم وبين غضبه وقاية. فلا تنازعوا ولا تختلفوا ﴿وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾.
إن كان قد حصل بين الطرفين، الشبان والشيوخ الكبار قليل من الخلاف فأصلحوا ذات بينكم. وساعة تسمع ﴿وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾ قد تسأل: ما هو البين؟ الجواب «البين» هو ما بين شيئين، فحين يجلس صف من الناس بجانب بعضهم


الصفحة التالية
Icon