فذهب الجمهور: إلى أنها نزلت في [العرنيين] «١».
وقال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي: إنها نزلت فيمن خرج من المسلمين يقطع الطريق، ويسعى في الأرض بالفساد.
قال ابن المنذر: قول مالك صحيح.
قال أبو ثور محتجا لهذا القول: إن قوله في هذه الآية: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة: ٣٤] يدل على أنها نزلت في غير أهل الشرك، لأنهم قد أجمعوا على أن أهل الشرك إذا وفقوا في الدنيا، فأسلموا فإن دماءهم تحرم، فدلّ ذلك على أن الآية نزلت في أهل الإسلام. انتهى «٢».
وهكذا يدل على هذا قوله: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ.
وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «الإسلام يهدم ما قبله» أخرجه مسلم «٣» وغيره.
وحكى ابن جرير الطبري في «تفسيره» «٤» عن بعض أهل العلم: أن هذه الآية- أعني آية المحاربة- نسخت فعل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في [العرنيين] ووقف الأمر على هذه الحدود.
وروي عن محمد بن سيرين أنه قال: كان هذا قبل أن تنزل الحدود، يعني فعله صلّى الله عليه وآله وسلّم [العرنيين] «٥».
وبهذا قال جماعة من أهل العلم.
وذهب جماعة آخرون إلى أن فعله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالعرنيين منسوخ فنهى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عن المثلة. والقائل بهذا مطالب ببيان تأخر الناسخ. والحق أن هذه الآية تعم المشرك وغيره، ممن ارتكب ما تضمنته ولا اعتبار بخصوص السبب، بل الاعتبار بعموم اللفظ «٦».
(٢) وانظر: الطبري (٦/ ١٣٢)، النكت (١/ ٤٦١)، وزاد المسير (٢/ ٣٤٥)، القرطبي (٦/ ١٥٠)، ابن كثير (٢/ ٤٨).
(٣) حديث صحيح: رواه مسلم (٢/ ١٣٦، ١٣٩) عن عمرو بن العاص مرفوعا.
(٤) انظره في (٦/ ٢٠٩).
(٥) أثر ضعيف: رواه أبو داود (٤٣٧١)، وضعّفه الألباني كما في «ضعيف أبي داود» (٩٣٩).
(٦) انظر كلام القاضي ابن العربي في هذه المسألة (٢/ ١٨٩، ١٩١).