الجملة بإنما، ومنها أنه قرنهما بعبادة الأصنام، ومنه قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «شارب الخمر كعابد الوثن» «١»، ومنها أنه جعلهما رجسا كما قال: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ [الحج: ٣٠] ومنها أنه جعلهما من عمل الشيطان، لا يأتي منه إلا الشر البحت، ومنها أنه أمر بالاجتناب، ومنها أنه جعل الاجتناب من الفلاح، وإذا كان الاجتناب فلاحا كان الارتكاب خيبة ومحقة، ومنها أنه ذكر ما ينتج فيهما من الوبال، وهو وقوع التعادي والتباغض بين أصحاب الخمر والقمر، وما يؤديان إليه من الصد عن ذكر الله، وعن مراعاة أوقات الصلوات. انتهى.
وهذه الآية دليل على تحريم الخمر، لما تضمنه الأمر بالاجتناب من الوجوب وتحريم الصد، ولما تقرر في الشريعة من تحريم قربان الرجس، فضلا عن جعله شرابا يشرب.
قال أهل العلم من المفسرين وغيرهم: كان تحريم الخمر بتدريج ونوازل كثيرة، لأنهم كانوا قد ألفوا شربها وحببها الشيطان إلى قلوبهم، فأول ما نزل في أمرها:
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة: ٢١٩]، فترك عند ذلك بعض المسلمين شربها، ولم يتركه آخرون، ثم نزل قوله تعالى: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى [النساء: ٤٣]، فتركها البعض أيضا، وقالوا: لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة، وشربها البعض في غير أوقات الصلاة حتى نزلت هذه الآية إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ... ، فصارت حراما عليهم حتى كان يقول بعضهم: ما حرّم الله شيئا أشدّ من الخمر وذلك لما فهموه من التشديد فيما تضمنته هذه الآية من الزواجر، وفيما جاءت به الأحاديث الصحيحة من الوعيد لشاربها، وأنها من كبائر الذنوب «٢».
وقد أجمع على ذلك المسلمون إجماعا لا شك فيه ولا شبهة.
وأجمعوا أيضا على تحريم بيعها، والانتفاع بها، ما دامت خمرا «٣».

(١) صحيح: رواه أبو عبيد القاسم بن سلّام في «الإيمان» (١١٦).
(٢) انظر بعض الأحاديث الصحيحة الدّالة على ذلك في «الترغيب والترهيب» للمنذري (٣/ ١٩٧، ٢١٢)، وصحيح الجامع للألباني (٦٣٠٩)، (٦٣١٣).
(٣) حديث صحيح: ما رواه الترمذي (١/ ٢٤٣)، وابن ماجة (٣٣٨١) عن أنس مرفوعا قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
«لعن رسول الله في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري له».


الصفحة التالية
Icon