وقد استدل بهذه الآية القائلون بأن المسلم يقتل بالكافر وهم الكوفيون والثوري، لأن الحرّ يتناول الكافر كما يتناول المسلم، وكذا العبد والأنثى يتناولان الكافر كما يتناولان المسلم. واستدلوا أيضا بقوله تعالى أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ لأن النفس تصدق على النفس الكافرة كما تصدق على النفس المسلمة.
وذهب الجمهور إلى أنه لا يقتل المسلم بالكافر واستدلوا بما ورد من السنة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أنه لا يقتل مسلم بكافر» «١» وهو مبين لما يراد في الآيتين. والبحث في هذا يطول.
واستدل بهذه الآية القائلون بأن الذكر لا يقتل بالأنثى، وقرروا الدلالة على ذلك بمثل ما سبق إلا إذا أسلم أولياء المرأة الزيادة على ديتها من دية الرجل وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والثوري وأبو ثور.
وذهب الجمهور إلى أنه يقتل الرجل بالمرأة ولا زيادة»
، وهو الحق. قال الشوكاني وقد بسطنا البحث في «شرح المنتقى» فليرجع إليه «٣». انتهى.
قلت: وقد أوضحت المسألة في «مسك الختام شرح بلوغ المرام» فليعول عليه.
قوله فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ: من هنا عبارة عن القاتل أو الجاني، والمراد بالأخ: المقتول أو الولي.
والشيء: عبارة عن الدم. والمعنى: أن القاتل أو الجاني إذا عفي له من جهة المجني عليه أو الوليّ دم أصابه منه على أن يأخذ منه شيئا من الدية أو الأرش فليتبع المجني عليه الوليّ من عليه الدم فيما يأخذه منه من ذلك اتباعا للمعروف، وليؤد الجاني ما لزمه من الدية والأرش إلى المجني عليه أو إلى الوليّ أداء بإحسان.
وقيل: إن من عبارة عن الوليّ و (الأخ) يراد به القاتل. والشيء، الدية.
والمعنى: أن الولي إذا جنح إلى العفو عن القصاص إلى مقابل الدية فإن القاتل مخير بين

(١) أخرجه البخاري في الصحيح [١/ ٢٠٤] ح [١١١، ١٨٧٠، ٣٠٤٧، ٣١٧٢، ٣١٧٩، ٦٧٥٥، ٦٩٠٣، ٦٩١٥، ٧٣٠٠] والنسائي في السنن [٨/ ٢٣- ٢٤] والترمذي في السنن ح [١٤١٢] والدرامي في السنن [٢/ ١١٠- ١١١] وأحمد في المسند [١/ ٧٩].
(٢) انظر الإفصاح لابن هبيرة [٢/ ١٥٨].
(٣) انظر فتح القدير [١/ ١٧٥].


الصفحة التالية
Icon