بئس [الصّحاة] «١» وبئس الشّرب شربهم إذا جرى [فيهم المزّاء] «٢» والسّكر
ومما يدل على ما قاله أبو عبيدة ما أنشده:
جعلت عيب الأكرمين سكرا
أي جعلت ذمهم طعما.
ورجح هذا ابن جرير فقال «٣» : إن السّكر ما يطعم من الطعام، ويحب شربه من ثمار النخيل والأعناب، وهو الرزق الحسن، واللفظ مختلف والمعنى واحد، مثل:
َّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
[يوسف: ٨٦].
قال الزجاج: قول أبي عبيدة هذا لا يعرف، وأهل التفسير على خلافه، ولا حجة له في البيت الذي أنشده، لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب الناس.
وقد حمل السّكر جماعة من الحنفية على ما يسكر من الأنبذة وعلى ما ذهب ثلثاه بالطبخ. قالوا: وإنما يمتن الله على عباده بما أحله لهم لا بما حرمه عليهم، وهذا مردود بالأحاديث الصحيحة المتواترة على فرض تأخره عن آية تحريم الخمر «٤».
(١) صحّفت في «المطبوعة» إلى (الصحاب) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه كما في «القرطبي» (١٠/ ١٢٨).
(٢) حرّفت إلى (منهم الهذر) وهو خطأ، والتصوير من القرطبي (١٠/ ١٢٨).
(٣) انظره في تفسيره (١٤/ ٨٧، ٨٩).
(٤) فبالجملة: هذه الآية نسختها آية المائدة فَاجْتَنِبُوهُ [آية: ٩] وهذا على الراجح.
وعقّب القاضي ابن العربي بقوله: هذا بناء على أن السكر الخمر وقد اختلف العلماء في تأويله على خمسة أقوال:
الأول: أن معناه تتخذون من ما حرّم الله قاله ابن عباس والحسن.
الثاني: أنه الخلّ قاله الحسن أيضا.
الثالث: أنه كل ما يتطعم منه.
الرابع: أنه خمور الأعاجم.
الخامس: أنه ما يسدّ الجوع.
وأما الرزق الحسن ففيه ثلاثة أقوال:
الأول: أنه ما أحل الله.
الثاني: الأول بعينه- قاله ابن عباس والحسن وغيرهما.
الثالث: أنه النبيذ الحلو- قاله قتادة.
فإذا لم يقل إن السكر الخمر لم يتصور في الآية نسخ، وإذا قلنا أن المراد به الخمر وتقدير:
تتخذون منه ما حرم الله، فيكون معناه التوبيخ تقديره: أنعم الله عليكم بثمرات النخيل والأعناب [.....]


الصفحة التالية
Icon