والقصاص: المساواة. والمعنى: أن كل حرمة يجري فيها القصاص، فمن هتك حرمتكم عليكم فلكم أن تهتكوا حرمته عليه قصاصا. قيل: وهذا كان في أول الإسلام ثم نسخ بالقتال وقيل: إنه ثابت بين أمة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم لم ينسخ فيجوز لمن تعدّي عليه في مال أو بدن أن يتعدّى بمثل ما تعدّي عليه، وبهذا قال الشافعي وغيره.
وقال الآخرون: إن أمور القصاص مقصورة على الحكام، وهكذا الأموال لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» «١» أخرجه الدارقطني وغيره وبه قال أبو حنيفة وجمهور المالكية وعطاء الخراساني.
والقول الأوّل أرجح، وبه قال ابن المنذر واختاره ابن العربي والقرطبي وحكاه الداودي «٢» عن مالك، ويؤيده أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أباح لامرأة أبي سفيان أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها «٣»، وهو في الصحيح.
ولا أصرح وأوضح من قوله تعالى في هذه الآية: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ، وهذه الجملة في حكم تأكيد الجملة الأولى أعني قوله: وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ. وإنما سمى المكافأة اعتداء مشاكلة كما تقدم.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما سار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم معتمرا في سنة ست من الهجرة وحبسه المشركون من الدخول والوصول إلى البيت وصدوه بمن معه من المسلمين في ذي القعدة- وهو شهر حرام- قاضاهم على الدخول من قابل، فدخلها في السنة الآتية هو ومن كان معه من المسلمين وأقصّه الله منهم ذلك في هذه الآية «٤».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية نحوه، وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد «٥» نحوه أيضا، وأخرج أيضا عن قتادة نحوه «٦»، وأخرج ابن جرير عن

(١) [حسن] أخرجه الدارمي في السنن [٢/ ٢٦٤] وأبو داود في السنن [٣/ ٢٨٨] ح [٣٥٣٥] والترمذي في السنن [٣/ ٥٦٤] ح [١٢٦٤] وأخرجه أحمد في المسند [٣/ ٤١٤]. [.....]
(٢) جاء في المطبوع [الأوزاعي] وهذا خطأ والتصحيح من فتح القدير [١/ ١٩٢].
(٣) [متفق عليه] أخرجه البخاري في الصحيح [٩/ ٥٠٧] ح [٥٣٦٤] ومسلم في الصحيح ح [١٧١٤].
(٤) أخرجه الطبري في التفسير [٢/ ٢٠٢- ٢٠٣] ح [٣١٣٦] وصحيح البخاري [٥/ ٣٢٩] ح [٢٧٣١].
(٥) انظر «تفسير الطبري» [٢/ ٢٠٣] ح [٣١٣٧].
(٦) انظر «تفسير الطبري» ح [٢/ ٢٠٣] ح [٣١٣٨].


الصفحة التالية
Icon