ابن جريج «١» نحوه.
وأخرج أبو داود في «ناسخه» وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في «سننه» عن ابن عباس في قوله: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ الآية، وقوله: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ [الشورى: ٤٠]، وقوله: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ [الشورى: ٤١]، وقوله: وَإِنْ عاقَبْتُمْ [النحل: ١٢٦]، قال: هذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل ليس لهم سلطان يقهر المشركين فكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى. فأمر الله المسلمين من يجازي «٢» منهم أن يجازي بمثل ما أوتي إليه أو يصبروا ويعفوا. فلما هاجر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة وأعزّ الله سلطانه أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم، ولا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهلية «٣» فقال: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً [الإسراء: ٣٣]. يقول ينصره السلطان حتى ينصفه ممن ظلمه «٤». ومن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاص مسرف قد عمل بحمية الجاهلية ولم يرض بحكم الله.
انتهى.
وأقول: هذه الآية التي جعلها ابن عباس رضي الله عقنه ناسخة مؤيدة لما تدل عليه الآيات التي جعلها منسوخة ومؤكدة له، فإن الظاهر من قوله: فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً أنه جعل السلطان له، أي جعل له تسلطا يتسلط به على القاتل، ولهذا قال: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ. ثم لو سلمنا أن معنى الآية كما قاله لكان ذلك مخصصا للقتل من عموم الآيات المذكورة لا ناسخا لها فإنه لم ينص في هذه الآية إلا على القتل وحده.
وتلك الآيات شاملة له ولغيره، وهذا معلوم من لغة العرب التي هي المرجع في تفسير كلام الله سبحانه وتعالى.
(٢) جاء في فتح القدير [١/ ١٩٢] [بنجازى].
(٣) انظر تفسير الطبري [٢/ ٢٠٥] ح [٣١٤٨].
(٤) جاء في فتح القدير [١/ ١٩٣] [على من ظلمه].