لَمَّا أَنْكَرُوا وُجُوبَ فِعْلِ الصَّلَاحِ وَالْأَصْلَحِ أَوْرَدَ عَلَيْهِمُ الْمُعْتَزِلَةُ أَوْ قَدَّرُوا هُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ أَنْ يُورَدَ عَلَيْهِمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ شَيْئًا إِلَّا لِغَرَضٍ وَحِكْمَةٍ وَلَا تَكُونُ الْأَغْرَاضُ إِلَّا الْمَصَالِحَ فَالْتَزَمُوا أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُنَاطُ بِالْأَغْرَاضِ وَلَا يُعَبَّرُ عَنْهَا بالعلل وينبىء عَنْ هَذَا أَنَّهُمْ لَمَّا ذَكَرُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ذَكَرُوا فِي أَدِلَّتِهِمُ الْإِحْسَانَ لِلْغَيْرِ وَرَعْيَ الْمَصْلَحَةِ.
وَهُنَالِكَ سَبَبٌ آخَرُ لِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ التَّنَزُّهُ عَنْ وَصْفِ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يُوهِمُ الْمَنْفَعَةَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِأَفْعَالِهِ وَلِأَنَّ الْغَيْرَ قَدْ لَا يَكُونُ فِعْلُ اللَّهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مَنْفَعَةً.
هَذَا وَقَدْ نَقَلَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ فِي «الْمُوَافَقَاتِ» عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى مُعَلَّلَةٌ بِالْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، وَقَدْ جَمَعَ الْأَقْوَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي «تَفْسِيرِهِ» فَقَالَ: «هَذَا هُوَ تَعْلِيلُ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ خِلَافٌ وَأَمَّا أَحْكَامُهُ فَمُعَلَّلَةٌ».
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَخَذُوا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً أَنَّ أَصْلَ اسْتِعْمَالِ الْأَشْيَاءِ فِيمَا يُرَادُ لَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِعْمَالِ هُوَ الْإِبَاحَةُ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِهَا لِأَنَّهُ جَعَلَ مَا فِي الْأَرْضِ مَخْلُوقًا لِأَجْلِنَا وَامْتَنَّ بِذَلِكَ عَلَيْنَا وَبِذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَصَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَنُسِبَ إِلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ مِنْهُمُ الْكَرْخِيُّ وَنُسِبَ إِلَى الشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَجُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةُ فِي نَقْلِ ابْنِ عَرَفَةَ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْوَقْفُ وَلَمْ يَرَوُا الْآيَةَ دَلِيلًا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «أَحْكَامِهِ» :«إِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ فِي مَعْرِضِ الدَّلَالَةِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى طَرِيقِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَتَصْرِيفِ الْمَخْلُوقَاتِ بِمُقْتَضَى التَّقْدِيرِ وَالْإِتْقَانِ بِالْعِلْمِ» إِلَخْ.
وَالْحَقُّ أَنَّ الْآيَةَ مُجْمَلَةٌ قُصِدَ مِنْهَا التَّنْبِيهُ عَلَى قُدْرَةِ الْخَالِقِ بِخَلْقِ مَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّهُ
خُلِقَ لِأَجْلِنَا إِلَّا أَنَّ خَلْقَهُ لِأَجْلِنَا لَا يَسْتَلْزِمُ إِبَاحَةَ اسْتِعْمَالِهِ فِي كُلِّ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ بَلْ خُلِقَ لَنَا فِي الْجُمْلَةِ، عَلَى أَنَّ الِامْتِنَانَ يَصْدُقُ إِذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنَ النَّاسِ بَعْضٌ مِمَّا فِي الْعَالَمِ بِمَعْنَى أَنَّ الْآيَةَ ذَكَرَتْ أَنَّ الْمَجْمُوعَ لِلْمَجْمُوعِ لَا كُلُّ وَاحِدٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْضَاوِيّ لَا سِيمَا وَقَدْ خَاطَبَ اللَّهُ بِهَا قَوْمًا كَافِرِينَ مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ كُفْرَهُمْ فَكَيْفَ يَعْلَمُونَ إِبَاحَةً أَوْ مَنْعًا، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْمَوْعِظَةِ هُوَ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ بِهَا مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ أَصْلَ الْأَشْيَاءِ الْحَظْرُ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ فَلِلْمُعْتَزِلَةِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ. قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي «شَرْحِ كِتَابِ الْأَشْبَاهِ» لِابْنِ نُجَيْمٍ نَقْلًا عَنِ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي
وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالْيَمِينِ هِيَ الْإِلْزَامُ بِالْوَفَاءِ بِهَا وَعَدَمُ الْحِنْثِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَأْثَمَ إِذَا وَقَعَ الْحِنْثُ، إِلَّا مَا أَذِنَ اللَّهُ فِي كَفَّارَتِهِ، كَمَا فِي آيَةِ سُورَةِ الْعُقُودِ.
وَاللَّغْوُ مَصْدَرُ لَغَا إِذَا قَالَ كلَاما خطئا، يُقَالُ: لَغَا يَلْغُو لَغوا كسعا، وَلَغَا يَلْغَى لَغْيًا كَسَعَى. وَلُغَةُ الْقُرْآنِ بِالْوَاوِ. وَفِي «اللِّسَانِ» :«أَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ إِلَّا قَوْلُهُمْ أَسَوْتُهُ أَسْوًا وَأَسًى أَصْلَحْتُهُ» وَفِي الْكَوَاشِي: «وَلَغَا يَلْغُو لَغْوًا قَالَ بَاطِلًا»، وَيُطْلَقُ اللَّغْوُ أَيْضًا عَلَى الْكَلَامِ السَّاقِطِ، الَّذِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَهُوَ الْخَطَأُ، وَهُوَ إِطْلَاقٌ شَائِعٌ. وَقَدِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي «الْأَسَاسِ» وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَجَازًا وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّفْسِيرِ بِهِ فِي «الْكَشَّافِ» وَتَبِعَهُ مُتَابِعُوهُ.
وَ (فِي) لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ الْمُرَادُ بِهَا الْمُلَابَسَةُ، وَهِيَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ، صِفَةُ اللَّغْوِ أَوْ حَالٌ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ قَدَّرَهُ الْكَوَاشِيُّ فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى جَعْلِ اللَّغْوِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ:
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِأَنْ تَلْغُوَا لَغْوًا مُلَابِسًا لِلْأَيْمَانِ، أَيْ لَا يُؤَاخِذُكُمْ بِالْأَيْمَانِ الصَّادِرَةِ صُدُورَ اللَّغْوِ، أَيْ غَيْرِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْقَوْلِ. فَإِذَا جَعَلْتَ اللَّغْوَ اسْمًا بِمَعْنَى الْكَلَامِ السَّاقِطِ الْخَاطِئِ، لَمْ تَصِحَّ ظَرْفِيَّتُهُ فِي الْأَيْمَانِ، لِأَنَّهُ مِنَ الْأَيْمَانِ، فَالظَّرْفِيَّةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِيُؤَاخِذُكُمْ، وَالْمَعْنَى لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ فِي أَيْمَانِكُمْ بِاللَّغْوِ، أَيْ لَا يُؤَاخِذُكُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْمَانِكُمْ بِالْيَمِينِ اللَّغْوِ.
وَالْأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِينٍ، وَالْيَمِينُ الْقَسَمُ وَالْحَلِفُ، وَهُوَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بَعْضِ صِفَاتِهِ، أَو بعض شؤونه الْعُلْيَا أَوْ شَعَائِرِهِ. فَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَحْلِفُ بِاللَّهِ، وَبِرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَبِالْهَدْيِ، وَبِمَنَاسِكِ الْحَجِّ. وَالْقَسَمُ عِنْدَهُمْ بِحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْقَسَمِ الثَّلَاثَةِ: الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالتَّاءُ، وَرُبَّمَا ذَكَرُوا لَفْظَ حَلَفْتُ أَوْ أَقْسَمْتُ، وَرُبَّمَا حَلَفُوا بِدِمَاءِ الْبُدْنِ، وَرُبَّمَا قَالُوا وَالدِّمَاءِ، وَقَدْ يُدْخِلُونَ لَامًا عَلَى عَمْرِ اللَّهِ، يُقَالُ: لَعَمْرُ اللَّهِ، وَيَقُولُونَ: عَمَرَكَ اللَّهُ، وَلَمْ أَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْلِفُونَ بِأَسْمَاءِ الْأَصْنَامِ. فَهَذَا الْحَلِفُ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْتِزَامُ فِعْلٍ، أَوْ بَرَاءَةٌ مِنْ حَقٍّ. وَقَدْ يَحْلِفُونَ بِأَشْيَاءَ عَزِيزَةٍ عِنْدَهُمْ لِقَصْدِ تَأْكِيدِ الْخَبَرِ أَوِ الِالْتِزَامِ، كَقَوْلِهِمْ وَأَبِيكَ وَلَعَمْرُكَ وَلَعَمْرِي، وَيَحْلِفُونَ بِآبَائِهِمْ، وَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ نَهَى عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ. وَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ فِي الْقَسَمِ أَنَّ بَعْضَ الْقَسَمِ يُقْسِمُونَ بِهِ عَلَى الْتِزَامِ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمُقْسِمُ لِيُلْجِئَ نَفْسَهُ إِلَى عَمَلِهِ وَلَا يَنْدَمَ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَسَمِ النَّذْرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يُظْهِرَ عَزْمَهُ عَلَى
فِعْلٍ لَا مَحَالَةَ مِنْهُ، وَلَا مَطْمَعَ لِأَحَدٍ فِي صَرْفِهِ عَنْهُ، أَكَّدَهُ بِالْقَسَمِ، قَالَ بِلِعَاءُ بْنُ قَيْسٍ:
وَجَوَابُ (لَوْ) مَحْذُوفٌ لَقَصْدِ التَّهْوِيلِ. وَالْمَعْنَى: لَرَأَيْتَ أَمْرًا مُفْظِعًا. وَحَذْفُ جَوَابِ (لَوْ) فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ شَائِعٌ فِي الْقُرْآنِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَو ترى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ فِي سُورَة الْبَقَرَة [١٦٥].
[٩٤]
[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٩٤]
وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤)
إِنْ كَانَ الْقَوْلُ الْمُقَدَّرُ فِي جُمْلَةِ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ [الْأَنْعَام: ٩٣] قَوْلًا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ قَوْلُهُ وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ [الْأَنْعَام: ٩٣]، أَيْ يُقَالُ لَهُمْ حِينَ دَفَعَهُمُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى الْعَذَابِ: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ، وَيُقَالُ لَهُمْ: لَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى. فَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بِالْقَوْلِ الْمَحْذُوفِ. وَعَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَمَراتِ الْمَوْتِ [الْأَنْعَام: ٩٣] حَقِيقَةً، أَيْ فِي حِينِ النَّزْعِ يَكُونُ فِعْلُ جِئْتُمُونا مِنَ التَّعْبِيرِ بِالْمَاضِي
عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيبِ، مِثْلُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، فَإِنَّهُمْ حِينَئِذٍ قَارَبُوا أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى مَحْضِ تَصَرُّفِ اللَّهِ فِيهِمْ.
وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ الْمُقَدَّرُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ فَجُمْلَةُ: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ [الْأَنْعَام: ٩٣] فَانْتَقَلَ الْكَلَامُ مِنْ خِطَابِ الْمُعْتَبِرِينَ بِحَالِ الظَّالِمِينَ إِلَى خِطَابِ الظَّالِمِينَ أَنْفُسِهِمْ بِوَعِيدِهِمْ بِمَا سَيَقُولُ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ.
فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَكُونُ جِئْتُمُونا حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي لِأَنَّهُمْ حِينَمَا يُقَالُ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلُ قَدْ حَصَلَ مِنْهُمُ الْمَجِيءُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ. وَ (قَدْ) لِلتَّحْقِيقِ.
وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي يَكُونُ الْمَاضِي مُعَبَّرًا بِهِ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ، وَتَكُونُ (قَدْ) تَرْشِيحًا لِلِاسْتِعَارَةِ.
وَالنُّورُ: مُسْتَعَارٌ لِلْهُدَى وَوُضُوحِ الْحَقِّ لِأَنَّ النُّورَ بِهِ تَنْجَلِي الْأَشْيَاءُ وَيَخْرُجُ الْمُبْصِرُ مِنْ غَيَاهِبِ الضَّلَالَةِ وَتَرَدُّدِ اللَّبْسِ بَيْنَ الْحَقَائِقِ وَالْأَشْبَاحِ.
وَاسْتُعِيرَتْ عَلى اسْتِعَارَةٍ تَبَعِيَّةٍ أَوْ تَمْثِيلِيَّةٍ لِلتَّمَكُّنِ مِنَ النُّورِ كَمَا اسْتُعِيرَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥] عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُقَرَّرَيْنِ هُنَالِكَ. ومِنْ رَبِّهِ نعت ل- نُورٍ ومِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ نُورٌ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ نُورٌ كَامِلٌ لَا تُخَالِطُهُ ظَلَمَةٌ، وَهُوَ النُّورُ الَّذِي أُضِيفَ إِلَى اسْمِ اللَّهِ فِي قَوْله تَعَالَى: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ فِي سُورَةِ النُّورِ [٣٥].
فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ فُرِّعَ عَلَى وَصْفِ حَالِ مَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ، مَا يَدُلُّ عَلَى حَالِ ضِدِّهِ وَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَشْرَحِ اللَّهُ صُدُورَهُمْ لِلْإِسْلَامِ فَكَانَتْ لِقُلُوبِهِمْ قَسَاوَةٌ فُطِرُوا عَلَيْهَا فَلَا تَسْلُكُ دَعْوَةُ الْخَيْرِ إِلَى قُلُوبِهِمْ. وَأُجْمِلَ سُوءُ حَالِهِمْ بِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ كلمة فَوَيْلٌ مِنْ بُلُوغِهِمْ أَقْصَى غَايَاتِ الشقاوة والتعاسة، وَقد تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ مَعَانِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ فِي سُورَةِ [الْبَقَرَةِ: ٧٩].
وَالْقَاسِي: الْمُتَّصِفُ بِالْقَسَاوَةِ فِي الْحَالِ، وَحَقِيقَةُ الْقَسَاوَةِ: الْغِلَظُ وَالصَّلَابَةُ فِي الْأَجْسَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [الْبَقَرَة: ٧٤].
وقسوة الْقَلْبِ: مُسْتَعَارَةٌ لِقِلَّةِ تَأَثُّرِ الْعَقْلِ بِمَا يُسْدَى إِلَى صَاحِبِهِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَنَحْوِهَا، وَيُقَابِلُ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةَ اسْتِعَارَةُ اللِّينِ لِسُرْعَةِ التَّأَثُّرِ بِالنَّصَائِحِ وَنَحْوِهَا، كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ [الزمر: ٢٣].
ومِنْ فِي قَوْلِهِ: مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى (عَنْ) بِتَضْمِينِ الْقاسِيَةِ مَعْنَى الْمُعْرِضَةِ وَالنَّافِرَةِ، وَقَدْ عُدَّ مُرَادِفُ مَعْنَى (عَنْ) مِنْ مَعَانِي مِنْ، وَاسْتُشْهِدَ لَهُ فِي «مُغْنِي اللَّبِيبُ» بِهَذِهِ الْآيَةِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا [ق: ٢٢]، وَفِيهِ نظر، لِإِمْكَان حملهما عَلَى مَعْنَيَيْنِ شَائِعَيْنِ مِنْ مَعَانِي مِنْ وَهُمَا مَعْنَى التَّعْلِيلِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى كَقَوْلِهِمْ: سَقَاهُمْ مِنَ الْغَيْمَةِ، أَيْ لِأَجْلِ
جَنَّاتٌ، وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافَيْنِ تَقْدِيرُهُمَا: إِعْلَامٌ بِدُخُولِ جَنَّاتٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: خالِدِينَ فِيها.
وَجُمْلَةُ بُشْراكُمُ إِلَى آخِرِهَا مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ: يُقَالُ لَهُمْ، أَيْ يُقَالُ مِنْ جَانِبِ الْقُدْسِ، تَقُولُهُ الْمَلَائِكَةُ، أَوْ يَسْمَعُونَ كَلَامًا يَخْلُقُهُ اللَّهُ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ جَانِبِ الْقُدْسِ.
وَجُمْلَةُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ الْمَحْكِيِّ بِالْقَوْلِ الْمُبَشَّرِ بِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحِكَايَةِ الَّتِي حُكِيَتْ فِي الْقُرْآنِ، وعَلى الِاحْتِمَالَيْنِ فَالْجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ تَدُلُّ عَلَى مَجْمُوعِ مَحَاسِنِ مَا وَقَعَتْ بِهِ الْبُشْرَى. وَاسْمُ الْإِشَارَةِ لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّنْبِيهِ، وَضَمِيرُ الْفَصْلِ لتقوية الْخَبَر.
[١٣، ١٤]
[سُورَة الْحَدِيد (٥٧) : الْآيَات ١٣ إِلَى ١٤]
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (١٤)
يَوْمَ يَقُولُ بَدَلٌ مِنْ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ [الْحَدِيد: ١٢] بَدَلا مطابقا إِذا الْيَوْمُ هُوَ عَيْنُ الْيَوْمِ الْمُعَرّف فِي قَوْله: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ [الْحَدِيد: ١٢].
وَالْقَوْلُ فِي فَتْحَةِ يَوْمَ تَقَدَّمَ فِي نَظَرِهِ قَرِيبًا.
وَعَطْفُ الْمُنافِقاتُ عَلَى الْمُنافِقُونَ كَعَطْفِ الْمُؤْمِناتِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآيَةِ [١٢] قَبْلَ هَذِهِ.
وَالَّذِينَ آمَنُوا تَغْلِيبٌ لِلذُّكُورِ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ هُمْ أَصْحَابُ النُّورِ وَهُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ.
الْمُتَعَارَفَ بَيْنَ النَّاسِ فِي طِيبِ الْخَمْرِ أَنْ يُوضَعَ الْمِسْكُ فِي جَوَانِبِ الْبَاطِيَةِ قَالَ النَّابِغَةُ:

وَتُسْقَى إِذَا مَا شِئْتَ غَيْرَ مُصَرَّدِ بِزَوْرَاءَ فِي حَافَاتِهَا الْمِسْكُ كَارِعُ
وَيُخْتَمُ عَلَى آنِيَةِ الْخَمْرِ بِخَاتَمٍ مِنْ مِسْكٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ:
يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ [المطففين: ٢٥، ٢٦]. وَكَانُوا يَجْعَلُونَ الْفِلْفِلَ فِي الْخَمْرِ لِحُسْنِ رَائِحَتِهِ وَلَذْعَةِ حَرَارَتِهِ لَذْعَةً لَذِيذَةً فِي اللِّسَانِ، كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
صُبِّحْنَ سُلَافًا مِنْ رَحِيقٍ مُفَلْفَلٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا يَمْزِجُونَ الْخَمْرَ بِمَاءٍ فِيهِ الْكَافُورُ أَوْ بِزَيْتِهِ فَيَكُونُ الْمِزَاجُ فِي الْآيَةِ
عَلَى حَقِيقَتِهِ مِمَّا تُمْزَجُ بِهِ الْخَمْرُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ التَّرَفِ لِأَنَّ الْكَافُورَ ثَمِينٌ وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي الْعُطُورِ.
وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ قَالَ: إِنَّ كَافُورَ اسْمُ عَيْنٍ فِي الْجَنَّةِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ عَقِبَهُ عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ وَسَتَعْلَمُ حَقَّ الْمُرَادِ مِنْهُ.
وَإِقْحَامُ فِعْلِ كانَ فِي جُمْلَةِ الصِّفَةِ بِقَوْلِهِ: كانَ مِزاجُها كافُوراً لِإِفَادَةِ أَنَّ ذَلِكَ مِزَاجُهَا لَا يُفَارِقُهَا إِذْ كَانَ مُعْتَادُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا نُدْرَةَ ذَلِكَ الْمِزَاجِ لِغَلَاءِ ثَمَنِهِ وَقِلَّةِ وِجْدَانِهِ.
وانتصب عَيْناً على الْبَدَلِ مِنْ كافُوراً أَيْ ذَلِكَ الْكَافُورُ تَجْرِي بِهِ عَيْنٌ فِي الْجَنَّةِ مِنْ مَاءٍ مَحْلُولٍ فِيهِ أَوْ مِنْ زَيْتِهِ مِثْلَ قَوْلِهِ: وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى [مُحَمَّد: ١٥]. وَعُدِّيَ فِعْلُ يَشْرَبُ بِالْبَاءِ وَهِيَ بَاءُ الْإِلْصَاقِ لِأَنَّ الْكَافُورَ يُمْزَجُ بِهِ شَرَابُهُمْ. فَالتَّقْدِيرُ: عَيْنًا يَشْرَبُ عِبَادُ اللَّهِ خَمْرَهُمْ بِهَا، أَيْ مَصْحُوبًا بِمَائِهَا، وَذَهَبَ الْأَصْمَعِيُّ إِلَى أَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ بِمَعْنَى (مِنْ) التَّبْعِيضِيةِ وَوَافَقَهُ الْفَارِسِيُّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَابْنُ مَالِكٍ، وَعَدَّ فِي كُتُبِهِ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الْبَاءِ وَنُسِبَ إِلَى الْكُوفِيِّينَ.
وعِبادُ اللَّهِ مُرَادٌ بِهِمْ: الْأَبْرَارُ. وَهُوَ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِلتَّنْوِيهِ بِهِمْ بِإِضَافَةِ عُبُودِيَّتِهِمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ.

[سُورَة اللَّيْل (٩٢) : الْآيَات ٥ إِلَى ١١]

فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١)
فَأَمَّا تَفْرِيعٌ وَتَفْصِيلٌ لِلْإِجْمَالِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [اللَّيْل: ٤] فَحَرْفُ (أَمَّا) يُفِيدُ الشَّرْطَ وَالتَّفْصِيلَ وَهُوَ يَتَضَمَّنُ أَدَاةَ شَرْطٍ وَفِعْلَ شَرْطٍ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ، وَالتَّفْصِيلُ: التَّفْكِيكُ بَيْنَ مُتَعَدِّدٍ اشْتَرَكَتْ آحَادُهُ فِي حَالَةٍ وَانْفَرَدَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِحَالَةٍ هِيَ الَّتِي يُعْتَنَى بِتَمْيِيزِهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فِي سُورَةِ الْفَجْرِ [١٥].
وَالْمُحْتَاجُ لِلتَّفْصِيلِ هُنَا هُوَ السَّعْيُ الْمَذْكُورُ، وَلَكِنْ جُعِلَ التَّفْصِيلُ بِبَيَانِ السَّاعِينَ
بِقَوْلِهِ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى لِأَنَّ الْمُهِمَّ هُوَ اخْتِلَافُ أَحْوَالِ السَّاعِينَ وَيُلَازِمُهُمُ السَّعْيُ فَإِيقَاعُهُمْ فِي التَّفْصِيلِ بِحَسَبِ مَسَاعِيهِمْ يُسَاوِي إِيقَاعَ الْمَسَاعِي فِي التَّفْصِيلِ، وَهَذَا تَفَنُّنٌ مِنْ أَفَانِينِ الْكَلَامِ الْفَصِيحِ يَحْصُلُ مِنْهُ مَعْنَيَانِ كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
وَقَدْ خِفْتُ حَتَّى مَا تَزِيدُ مَخَافَتِي عَلَى وَعِلٍ فِي ذِي الْمَطَارَةِ عَاقِلِ
أَيْ عَلَى مَخَافَةِ وَعِلٍ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إِلَخْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٧٧].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [التَّوْبَة: ١٩] الْآيَةَ، أَيْ كَإِيمَانِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ.
وَانْحَصَرَ تَفْصِيلُ «شَتَّى» فِي فَرِيقَيْنِ: فَرِيقٍ مُيَسَّرٍ لِلْيُسْرَى وفريق مُيَسَّرٍ لِلْعُسْرَى، لِأَنَّ الْحَالَيْنِ هُمَا الْمُهِمُّ فِي مَقَامِ الْحَثِّ عَلَى الْخَيْرِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الشَّرِّ، وَيَنْدَرِجُ فِيهِمَا مُخْتَلِفُ الْأَعْمَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ فِي سُورَةِ الزَّلْزَلَةِ [٦- ٨]. وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ تَفْصِيلُ «شَتَّى» هُمْ مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، وَمَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى وَذَلِكَ عَدَدٌ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِشَتَّى.


الصفحة التالية
Icon