بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ فِي رَوْنَقِ الضُّحَى | وَصُورَتِهَا أَوْ أَنْتِ فِي الْعَيْنِ أَمْلَحُ |
فَقَالَتْ لَنَا أَهْلَا وَسَهْلًا وَزَوَّدَتْ | جَنَى النَّحْلِ بَلْ مَا زَوَّدَتْ مِنْهُ أَطْيَبُ |
الْحِجَارَةِ لِأَنَّ الْحِجَارَةَ قَدْ يَعْتَرِيهَا التَّحَوُّلُ عَنْ صَلَابَتِهَا وَشِدَّتِهَا بِالتَّفَرُّقِ وَالتَّشَقُّقِ وَهَذِهِ الْقُلُوبُ لَمْ تُجْدِ فِيهَا مُحَاوَلَةٌ.
وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ إِلَخْ تَعْلِيلٌ لِوَجْهِ التَّفْضِيلِ إِذْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُسْتَغْرَبَ، وَمَوْقِعُ هَذِهِ الْوَاوِ الْأُولَى فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ عَسِيرٌ فَقِيلَ: هِيَ لِلْحَالِ مِنَ الْحِجَارَةِ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ (أَشَدُّ) أَيْ أَشَدُّ مِنَ الْحِجَارَةِ قَسْوَةً، أَيْ تَفْضِيلُ الْقُلُوبِ عَلَى الْحِجَارَةِ فِي الْقَسْوَةِ يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الَّتِي وُصِفَتْ بِهَا الْحِجَارَةُ وَمَعْنَى التَّقْيِيدِ أَنَّ التَّفْضِيلَ أَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَقِيلَ هِيَ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً قَالَه التفتازانيّ، وَكَأَنَّهُ يَجْعَلُ مَضْمُونَ هَذِهِ الْمَعْطُوفَاتِ غَيْرَ رَاجِعٍ إِلَى مَعْنَى تَشْبِيهِ الْقُلُوبِ بِالْحِجَارَةِ فِي الْقَسَاوَةِ بَلْ يَجْعَلُهَا إِخْبَارًا عَنْ مَزَايَا فُضِّلَتْ بِهَا الْحِجَارَةُ عَلَى قُلُوبِ هَؤُلَاءِ بِمَا يَحْصُلُ عَنْ هَذِهِ الْحِجَارَةِ مِنْ مَنَافِعَ فِي حِينِ تُعَطَّلُ قُلُوبُ هَؤُلَاءِ مِنْ صُدُورِ النَّفْعِ بِهَا، وَقِيلَ: الْوَاوُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ وَهُوَ تَذْيِيلٌ لِلْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا الْوَاوُُُ
فِي «غَيْثِ النَّفْعِ» : وَآيُهَا سَبْعٌ حِمْصِيٌّ (أَيْ شَامِيٌّ) وَسِتٌّ فِي الْبَاقِي. وَهَذَا يُخَالِفُ مَا قَالَه الآلوسي.
أغراضها
من مقاصدها التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِ مَنْ كَذَّبُوا بِالْبَعْثِ وَتَفْظِيعِ أَعْمَالِهِمْ مِنَ الِاعْتِدَاءِ عَلَى الضَّعِيفِ وَاحْتِقَارِهِ وَالْإِمْسَاكِ عَنْ إِطْعَامِ الْمِسْكِينِ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ أَنْ يَكُونَ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ مَا يَجْلِبُ لَهُ غَضَبَ الله وعقابه.
[١- ٣]
[سُورَة الماعون (١٠٧) : الْآيَات ١ إِلَى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣)الِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْجَزَاءِ، وَمَا أَوْرَثَهُمُ التَّكْذِيبُ مِنْ سوء الصَّنِيع. فالتعجيب مِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِالدِّينِ وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ مِنْ دَعِّ الْيَتِيمِ وَعَدَمِ الْحَضِّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، وَقَدْ صِيغَ هَذَا التَّعْجِيبُ فِي نَظْمٍ مَشُوقٍ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ عَنْ رُؤْيَةِ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ صِلَةُ الْمَوْصُولِ يَذْهَبُ بِذِهْنِ السَّامِعِ مَذَاهِبَ شَتَّى مِنْ تَعَرُّفِ الْمَقْصِدِ بِهَذَا الِاسْتِفْهَامِ، فَإِنَّ التَّكْذِيبَ بِالدِّينِ شَائِعٌ فِيهِمْ فَلَا يَكُونُ مَثَارًا لِلتَّعَجُّبِ فَيَتَرَقَّبُ السَّامِعُ مَاذَا يَرِدُ بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَفِي إِقْحَامِ اسْمِ الْإِشَارَةِ وَاسْمِ الْمَوْصُولِ بَعْدَ الْفَاءِ زِيَادَةُ تَشْوِيقٍ حَتَّى تَقْرَعَ الصِّلَةُ سَمْعَ السَّامِعِ فَتَتَمَكَّنُ مِنْهُ كَمَالَ تَمَكُّنٍ.
وَأَصْلُ ظَاهِرِ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَيَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ.
وَالْإِشَارَةُ إِلَى الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِتَمْيِيزِهِ أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ حَتَّى يَتَبَصَّرَ السَّامِعُ فِيهِ وَفِي صِفَتِهِ، أَوْ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الظَّاهِرِ الْوَاضِحِ بِحَيْثُ يُشَارُ إِلَيْهِ.
وَالْفَاءُ لِعَطْفِ الصِّفَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى لِإِفَادَةِ تَسَبُّبِ مَجْمُوعِ الصِّفَتَيْنِ فِي