الِاعْتِرَاضِيَّةُ وَأَنَّ جُمْلَةَ وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا مُعْتَرِضَاتٌ بَيْنَ قَوْلِهِ: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ وَبَيْنَ جُمْلَةِ الْحَالِ مِنْهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
وَالتَّوْكِيدُ بِإِنَّ لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ وَهَذَا الِاهْتِمَامُ يُؤْذِنُ بِالتَّعْلِيلِ وَوُجُودُ حَرْفِ الْعَطْفِ قَبْلَهَا لَا يُنَاكِدُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ [الْبَقَرَة: ٦١].
وَمِنْ بَدِيعِ التَّخَلُّصِ تَأَخُّرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَالتَّعْبِيرُ عَنِ التَّسَخُّرِ لِأَمْرِ التَّكْوِينِ بِالْخَشْيَةِ لِيَتِمَّ ظُهُورُ تَفْضِيلِ الْحِجَارَةِ عَلَى قُلُوبِهِمْ فِي أَحْوَالِهَا الَّتِي نِهَايَتُهَا الِامْتِثَالُ لِلْأَمْرِ التكليفي مَعَ تَعَاصِي قُلُوبِهِمْ عَنِ الِامْتِثَالِ لِلْأَمْرِ التَّكْلِيفِيِّ لِيَتَأَتَّى الِانْتِقَالُ إِلَى قَوْلِهِ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وَقَوْلِهِ: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [الْبَقَرَة: ٧٥].
وَقَدْ أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى أَنَّ انْفِجَارَ الْمَاءِ مِنَ الْأَرْضِ مِنَ الصُّخُورِ مُنْحَصِرٌ فِي هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ وَذَلِكَ هُوَ مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْجُغْرَافِيَا الطَّبِيعِيَّةِ أَنَّ الْمَاءَ النَّازِلَ عَلَى الْأَرْضِ يَخْرِقُ الْأَرْضَ بِالتَّدْرِيجِ لِأَنَّ طَبْعَ الْمَاءِ النُّزُولُ إِلَى الْأَسْفَلِ جَرْيًا عَلَى قَاعِدَةِ الْجَاذِبِيَّةِ فَإِذَا اضُّغِطَ عَلَيْهِ بِثِقَلِ نَفْسِهِ مِنْ تَكَاثُرِهِ أَوْ بِضَاغِطٍ آخَرَ مِنْ أَهْوِيَةِ الْأَرْضِ تَطَلَّبَ الْخُرُوجَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ طَبَقَةً صَخْرِيَّةً أَوْ صَلْصَالِيَّةً طَفَا هُنَاكَ فَالْحَجَرُ الرَّمْلِيُّ يَشْرَبُ الْمَاءَ وَالصُّخُورُ وَالصَّلْصَالُ لَا يَخْرِقُهَا الْمَاءُ إِلَّا إِذَا كَانَتِ الصُّخُورُ مُرَكَّبَةً مِنْ مَوَادَّ كِلْسِيَّةٍ وَكَانَ الْمَاءُ قَدْ حَمَلَ فِي جَرْيَتِهِ
أَجْزَاءً مِنْ مَعْدِنِ الْحَامِضِ الْفَحْمِيِّ فَإِنَّ لَهُ قُوَّةً عَلَى تَحْلِيلِ الْكِلْسِ فَيُحْدِثُ ثُقْبًا فِي الصُّخُورِ الْكِلْسِيَّةِ حَتَّى يَخْرِقَهَا فَيَخْرُجَ مِنْهَا نَابِعًا كَالْعُيُونِ. وَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْعُيُونُ فِي مَوْضِعٍ نَشَأَتْ عَنْهَا الْأَنْهَارُ كَالنِّيلِ النَّابِعِ مِنْ جِبَالِ الْقَمَرِ، وَأَمَّا الصُّخُورُ غَيْرُ الْكِلْسِيَّةِ فَلَا يُفَتِّتُهَا الْمَاءُ وَلَكِنْ قَدْ يَعْرِضُ لَهَا انْشِقَاقٌ بِالزَّلَازِلِ أَوْ بِفَلْقِ الْآلَاتِ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ إِمَّا إِلَى ظَاهِرِ الْأَرْضِ كَمَا نَرَى فِي الْآبَارِ وَقَدْ يَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ إِلَى طَبَقَةٍ تَحْتَهَا فَيَخْتَزِنُ تَحْتَهَا حَتَّى يَخْرُجَ بِحَالَةٍ مِنَ الْأَحْوَالِ السَّابِقَةِ. وَقَدْ يَجِدُ الْمَاءُ فِي سَيْرِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ تَحْتَ الصَّخْرِ أَوْ بَعْدَهُ مَنْفَذًا إِلَى أَرْضٍ تُرَابِيَّةٍ فَيَخْرُجُ طَافِيًا مِنْ سَطْحِ الصُّخُورِ الَّتِي جَرَى فَوْقَهَا. وَقَدْ يَجِدُ الْمَاءُ فِي سَيْرِهِ مُنْخَفَضَاتٍ فِي دَاخِلِ الْأَرْضِ فَيَسْتَقِرُّ فِيهَا ثُمَّ إِذَا انْضَمَّتْ إِلَيْهِ كَمِّيَّاتٌ أُخْرَى تَطَلَّبَ الْخُرُوجَ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِذَلِكَ يَكْثُرُ أَنْ تَنْفَجِرَ الْأَنْهَارُ عَقِبَ الزَّلَازِلِ.
وَالْخَشْيَةُ فِي الْحَقِيقَةِ الْخَوْفُ الْبَاعِثُ عَلَى تَقْوَى الْخَائِفِ غَيْرَهُ. وَهِيَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ التَّكْلِيفِيِّ لِأَنَّهَا الْبَاعِثُ عَلَى الِامْتِثَالِ. وَجُعِلَتْ هُنَا مَجَازًا عَنْ قَبُولِ الْأَمْرِ التَّكْوِينِيِّ
الْحُكْمِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْكَلَامِ، وَذَلِكَ شَأْنُهَا فِي عَطْفِ الصِّفَاتِ إِذَا كَانَ مَوْصُوفُهَا وَاحِدًا مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً [الصافات: ١- ٣].
فَمَعْنَى الْآيَةِ عَطْفُ صِفَتَيْ: دَعِّ الْيَتِيمِ، وَعَدَمِ إِطْعَامِ الْمِسْكِينِ عَلَى جَزْمِ التَّكْذِيبِ بِالدِّينِ.
وَهَذَا يُفِيدُ تَشْوِيهَ إِنْكَارِ الْبَعْثِ بِمَا يَنْشَأُ عَنْ إِنْكَارِهِ مِنَ الْمَذَامِّ وَمِنْ مُخَالَفَةٍ لِلْحَقِّ وَمُنَافِيًا لِمَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ مِنَ التَّكْلِيفِ، وَفِي ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ تَحْذِيرِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الِاقْتِرَابِ مِنْ إِحْدَى هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ بِأَنَّهُمَا مِنْ صِفَاتِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْجَزَاءِ.
وَجِيءَ فِي يُكَذِّبُ، ويَدُعُّ، ويَحُضُّ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُ وَدَوَامِهِ.
وَهَذَا إِيذَانٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ هُوَ الْوَازِعُ الْحَقُّ الَّذِي يَغْرِسُ فِي النَّفْسِ جُذُورَ الْإِقْبَالِ عَلَى الْأَعْمَال الصَّالِحَة حَتَّى يَصِيرُ ذَلِكَ لَهَا خُلُقًا إِذَا شَبَّتْ عَلَيْهِ، فَزَكَتْ وَانْسَاقَتْ إِلَى الْخَيْرِ بِدُونِ كُلْفَةٍ وَلَا احْتِيَاجٍ إِلَى أَمْرٍ وَلَا إِلَى مَخَافَةٍ مِمَّنْ يُقِيمُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَاتِ حَتَّى إِذَا اخْتَلَى بِنَفْسِهِ وَأَمِنَ الرُّقَبَاءَ جَاءَ بِالْفَحْشَاءِ وَالْأَعْمَالِ النَّكْرَاءِ.
وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ يَتَعَدَّى فِعْلُهَا إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الْمُكَذِّبِينَ بِالدِّينِ مَعْرُوفُونَ وَأَعْمَالُهُمْ مَشْهُورَةٌ، فَنَزَلَتْ شُهْرَتُهُمْ بِذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْأَمْرِ الْمُبْصَرِ الْمُشَاهَدِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ بِتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ الَّتِي بَعْدَ الرَّاءِ مِنْ أَرَأَيْتَ أَلِفًا. وَرَوَى الْمِصْرِيُّونَ عَنْ وَرْشٍ عَنْ نَافِعٍ إِبْدَالَهَا أَلِفًا وَهُوَ الَّذِي قَرَأْنَا بِهِ فِي تُونِسَ، وَهَكَذَا فِي فِعْلِ (رَأَى) كُلَّمَا وَقع بعد همزَة اسْتِفْهَامٌ، وَذَلِكَ فِرَارٌ مِنْ تَحْقِيقِ الهمزتين، وقرأه الْجُمْهُور بتحقيقهما.
وَقَرَأَهُ الْكِسَائِيُّ بِإِسْقَاطِ الْهَمْزَةِ الَّتِي بَعْدَ الرَّاءِ فِي كُلِّ فِعْلٍ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. وَاسْمُ الْمَوْصُولِ وَصِلَتُهُ مُرَادٌ بِهِمَا جِنْسُ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ. وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ دَرَجُوا عَلَى ذَلِكَ.
وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ السَّهْمِيِّ، وَقِيلَ: فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ


الصفحة التالية
Icon